الأربعاء 12 مارس 2025 م - 12 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : هذا إنجازي: حكاية عبد الرؤوف العريمي: رائد التعليم الرقمي فـي محافظة ظفار

رحاب : هذا إنجازي: حكاية عبد الرؤوف العريمي: رائد التعليم الرقمي فـي محافظة ظفار
الثلاثاء - 11 مارس 2025 01:09 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

280

لم يكن عبد الرؤوف بن عبدالله العريمي طالبًا متفوقًا أو مُعلِّمًا بارعًا فحسب، بل كان نسيجًا فريدًا من العبقرية المتوقدة والتواضع الجمِّ، منذ نعومة أظفاره، لفَتَ الأنظار بنباهته ونهمه الشديد للمعرفة، فكان الأول بلا منازع في جميع مراحل دراسته، حتى نال المركز الأول على مستوى سلطنة عُمان في دبلوم المُعلِّمين، رغم صغر سنِّه وحداثة تجربته.

لكن الأقدار لم تمهِّد له طريقًا مفروشًا بالورود، بل وضعته أمام تحدِّيات صعبة، أجبرته الظروف المادية على الالتحاق بمعهد المُعلِّمين؛ لِيسهمَ في إعالة أُسرته، غير أنَّ هذه التحدِّيات لم تثبِّط عزيمته، بل زادته صلابةً وإصرارًا على تحقيق حلمه العلمي، فكان تلميذًا متواضعًا صبورًا، بعيد النظر، لا يعرف الكلل، يحمل على عاتقه همَّ التعلم وخدمة الآخرين. بعد تفوقه في دبلوم المُعلِّمين، ابتُعث إلى جامعة الملك فيصل بالسعودية، وهناك لم يكن مجرد طالب متميز، بل صار مرجعًا لزملائه، يتصدر المشهد العلمي، حتى تخرج الأول على دفعته بامتياز، غير أنه لم تُتح له الفرصة التي يستحقها، فلم يُعيَّن في جامعة السُّلطان قابوس أو كليَّات المُعلِّمين، رغم تفوقه اللافت. ومع ذلك، لم يسمح لهذا التجاهل أن يُطفئ شغفه، فواصل مسيرته في وزارة التربية والتعليم، ليصبح مُعلِّمًا في المدرسة السعيدية الثانوية، وهناك كتب سطورًا جديدة في رحلته الاستثنائية.

المرحلة الثانية: رائد التعليم الرقمي

في منتصف التسعينيات، حين بدأ الحاسوب يشقُّ طريقه إلى المؤسسات التعليمية، كان عبد الرؤوف العريمي الوحيد الذي يمتلك القدرة على تشغيل أنظمة «DOS»، وفهم أسرارها وتوظيفها في خدمة العملية التعليمية، لم يحتكر معرفته، بل بدأ في تدريب زملائه ومحو أُمِّيَّة الحاسوب بين المُعلِّمين والإداريين؛ ليصبح حجر الأساس في إدخال التقنية إلى مدارس ظفار، محولًا التحدي إلى فرصة، والصعوبة إلى إنجاز. استمر شغفه بالبحث والتطوير، فحصل على الماجستير في التربية تخصص علم النفس، متصدِّرًا كعادته قائمة المتفوقين، ولم يكن غريبًا أن يُكلَّف بعدها بالعمل في مكتب المدير العام؛ ليصبح العقل المفكر وراء التقارير والتحليلات الإحصائية، والخبير الذي يعتمد عليه الجميع، وحتى بعد سنوات من العمل، ظل الباحثون وطلبة الدراسات العليا يترددون عليه طلبًا للمشورة والنصح، فيجدون عنده إجابة لكل سؤال، وحلًّا لكل معضلة.

المرحلة الثالثة: القائد الخفي في كليَّة العلوم التطبيقية

في هذه المرحلة، تم نقله إلى كليَّة المُعلِّمين، التي تحولت فيما بعد إلى كليَّة العلوم التطبيقية، حيث أصبح المدير الفني لمكتب عميد الكليَّة، والمسؤول عن تنسيق جميع اللجان، هناك، لم يكن مجرد إداري عادي، بل كان بمثابة قلب الكليَّة النابض، يضع خبراته الواسعة وأخلاقه العالية في خدمة الكليَّة، طلابها، وأعضاء هيئتها التدريسية، دون أن يسعى للظهور أو يبحث عن الأضواء. أصبح مرجعًا موثوقًا لكلِّ من يحتاج إلى مشورة علمية أو فنية، واستمر في تقديم الدعم بحُبٍّ وتفانٍ، حتى صار محلَّ تقدير واحترام من جميع مَن عملوا معه أو درسهم، كان العقل المدبِّر وراء العديد من المشاريع والقرارات الأكاديمية، لكنَّه آثَر البقاء خلف الكواليس، راضيًا بأن يكون النجاح هو انعكاس جهوده، لا اسمه.

الخاتمة: «الرحلة التي لا تنتهي»

تقاعد عبد الرؤوف رسميًّا، لكنَّه لم يتقاعد عن رسالته، فظلَّ شعلةً لا تنطفئ، مستمرًّا في القراءة، والبحث، ودعم الباحثين، رغم معاناته مع المرض، إنه ليس مجرد مُعلِّم أو باحث، بل نموذجٌ ملهِمٌ لرجلٍ لم يبحث عن الأضواء، لكنَّه صار منارةً يهتدي بها طلاب العِلم. إنَّ أمثاله لا يُنسون؛ لأنَّ أثَرهم لا يُمحى، وسيرتهم تبقى شاهدةً على أن العطاء الحقيقي لا تحده الوظائف، ولا توقفه الظروف. لقد كان عبد الرؤوف العريمي الباحث الخفي، لكن بصمته ستظلُّ واضحةً في كلِّ طالب عِلم اقتدى بنهجه، وكلِّ مُعلِّم استفاد من خبرته، وكلِّ مؤسَّسة تعليمية أضاءها بفكره.

د. أحمد بن علي المعشني

 رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية