الأربعاء 12 مارس 2025 م - 12 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : مجلس التعاون الخليجي والرؤية الاستراتيجية

أوراق الخريف : مجلس التعاون الخليجي والرؤية الاستراتيجية
الثلاثاء - 11 مارس 2025 01:04 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

20


القمَّة العربيَّة الطَّارئة في القاهرة انتهت بإقرار خطَّة إعادة إعمار غزَّة دُونَ تهجير سكَّانها، ووفق خطَّة عربيَّة ستكلف (57) مليار دولار كما يُتداول عَنْها، ووفق مراحل. فالقضيَّة ليسَتْ في إعادة الإعمار ولا في التَّكلفة، ولكن هل هناك ضمانات بألَّا تَعُودَ «إسرائيل» إلى الحرب وتدمير غزَّة والقتل والتَّهجير؟

والقرار العربي وردَّة الفعل ليسَتْ بتلك القوَّة، ما دام الرَّئيس الأميركي ترامب داعمًا قويًّا لخطَّة التَّهجير وسياسة نتنياهو، لذا كنتُ أتمنَّى أن يتضمنَ بيان القمَّة عبارات أقوى وكلمات تتضمن استخدام القوَّة في حالة عدم الاستجابة لمبادرة السَّلام العربيَّة، ويُعِيد التَّوازن إلى الصِّراع العربي ـ «الإسرائيلي» قَبل تحقيق حلم الدَّولة اليهوديَّة الكبرى من النِّيل إلى الفرات.

فقَدْ آنَ الأوان أن نكُونَ أصحاب موقف صارم ونصدرَ البيانات القويَّة، كالآخرين، ونتصدَّى للغطرسة «الإسرائيليَّة» ـ الأميركيَّة، وحالة التَّعاطف العالَمي معنا، خصوصًا وأنَّنا كأُمَّة عربيَّة نَمرُّ بمرحلة مفصليَّة في تاريخنا الحديث، خصوصًا في ظلِّ الخذلان الدّولي غير المسبوق تجاه الإجرام «الإسرائيلي» المدعوم أميركيًّا.

وعلى الرَّغم من أنَّ العرب والمُسلِمِين يملكون كُلَّ الأدوات والوسائل الَّتي تُمكِّنهم من فرض عدالة قضيَّتهم ووجهات نظرهم فيما يتعلق بمصير المنطقة، إلَّا أنَّهم يفتقرون إلى الإرادة السِّياسيَّة القويَّة والقرارات، وإذا عُرف السَّبب بطلَ العجب. فالأنظمة العربيَّة والإسلاميَّة بحاجةٍ لقول «لا» ضدَّ الأخطاء وقول «نعم» مع كُلِّ رأيٍ سديد، وحقيقة القول عَلَيْنا ممارسة أقصى الضُّغوط من أجْلِ استعادة الحقوق الفلسطينيَّة وحماية الأمن القومي العربي من المُهدِّدات غير المسبوقة.

فهناك شواهد، وعَلَيْنا أن ننظرَ إلى موقف جنوب إفريقيا والبرازيل والمكسيك هذه الدوَل الَّتي لم ترضخْ للضُّغوط الأميركيَّة ولا الصهيونيَّة، وواصلتِ الدِّفاع عن القضيَّة الفلسطينيَّة أمام المحاكم الدوليَّة، وكشفتِ السِّياسات الأميركيَّة الحاليَّة أنَّ الرَّئيس ترامب يريد أن يلتهمَ كُلَّ شيء أمامه، ويديرَ بلاده والعالَم بطريقة «الصَّفقات»، ولا أدلَّ على ذلك من موقفه تجاه قضيَّة أوكرانيا، وما شاهدناه في المشادَّة الكلاميَّة بَيْنَه وبَيْنَ زيلينسكي.

لذا من الطَّبيعي أن نتلمسَ موقف دوَل مجلس التَّعاون الخليجي الرَّافض للتَّهجير، فالخطَّة المصريَّة الَّتي صارتْ «عربيَّة» في القمَّة، لا بُدَّ من موافقة الطَّرفَيْنِ الآخريْنِ أميركا و»إسرائيل»، والعرب رغم قوَّتهم ما زالوا ضعافًا، فتصريحات نتنياهو الَّتي صبَّتِ الزَّيت على النَّار، وقوله «إنَّ السعوديِّين قادرون على إنشاء دَولة فلسطينيَّة في السعوديَّة، فَهُم يملكون الكثير من الأراضي هناك»، في خطوة غير مسؤولة أثارتْ غضبًا خليجيًّا وعربيًّا ودوليًّا.. ومن هنا عَلَيْنا التَّعامل مع الأحداث الجديدة برؤية استراتيجيَّة خليجيَّة عربيَّة إسلاميَّة قَبل فوات الأوان.

ومن هذا المنطلق فإنَّ التَّوافق والإجماع العربي والإسلامي يتطلب تحركًا لرفضِ تهجير الشَّعب الفلسطيني من أراضيه، وضرورة تسريع جهود الإغاثة وإعادة إعمار قِطاع غزَّة، والتَّحركات الخليجيَّة الأخيرة هي شريان مُهمٌّ للأُمَّة العربيَّة، وعلى أُمَّتنا أن تكُونَ أكثر اتِّحادًا ولحمة، أكثر من أيِّ وقت مضى، وبهذه الرُّوح يُمكِننا إغلاق كُلِّ الملفات الَّتي تتحدث عَنْها الإدارة الأميركيَّة.

الدبلوماسيَّة الخليجيَّة مستمرَّة وقادرة على وقف هذه الحروب والخزعبلات والتَّصريحات، وعَلَيْها أيضًا الإجابة عن كُلِّ التَّساؤلات والهواجس المُخيفة والمطروحة على السَّاحة العربيَّة والدّوليَّة ووقف التَّعامل معها، أو وضع حدٍّ للعلاقات مع الآخرين أو التَّعامل بالمِثل وفقَ مبدأ المصالح أوَّلًا، كما تفعل روسيا والصين وجنوب إفريقيا وكندا، فلن نموتَ جوعًا بِدُونِهم، فالسيناريوهات والتَّحالفات البديلة أصبحتْ ضرورةً حتميَّة لدراستها واستغلالها كسلاح، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ هذه ليسَتْ مُشْكلة كُلِّ العرب فقط، بل أوروبا وإفريقيا، وأنَّ التَّعامل مع القضيَّة الفلسطينيَّة والأحداث في سوريا والمنطقة والرَّئيس ترامب تحتاج لوضوحٍ في الرُّؤية والشفافيَّة في التَّعامل وبحكمة دبلوماسيَّة واحدة.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]