لسْتُ أبالغ إن ذهبتُ إلى أنَّ الشَّك قَدْ راودني منذُ بداية العمليَّة العسكريَّة الروسيَّة في أورانيا، وهو شكٌّ يصبُّ في إمكانيَّة أن تكُونَ هذه الحرب، بِرُمَّتها وبما آلَتْ إِلَيْه من دمار وإزهاق أرواح، إنَّما كانتْ «خدعة روسيَّة» من العيار الثَّقيل، إذ تمَّت عمليَّة كونيَّة معقَّدة لاستدرار عواطف شعوب العالَم، (ومِنْها الدوَل الغربيَّة) على سبيل استنزاف ثروات الدوَل الغربيَّة الغنيَّة، وعلى رأسها الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة من أجْلِ استنزافها ماليًّا وعلى المدَى البعيد، بحيثُ تبقَى الجيوش الرُّوسيَّة تدكُّ المُدُن الأوكرانيَّة، بَيْنَما يبقى الغرب ينزف بالأموال على أساس خيالي يُفيد بأنَّ الحرب في أوكرانيا إنَّما هي حرب عالَميَّة بَيْنَ العالَمَيْن (الرَّأسمالي الغربي) والرُّوسي (الشَّرقي) على سبيل تخويف أوروبا الرَّأسماليَّة، ثمَّ امتصاص أموالها من أجْلِ دعم الشَّعب الأوكراني المسكين الَّذي وقع ضحيَّة «الامبراطوريَّة الموسكوفيَّة» (من لفظ موسكو)، كما يدَّعي الرَّئيس الأوكراني الَّذي عمل «راقصًا» في سابق العهود!
ولسْتُ أبالغُ كذلك في الاعتقاد بأنَّ الرَّئيس الاميركي، دونالد ترامب، هو أوَّل مَن لاحظَ نزيف الأموال الأميركيَّة الَّتي تحوَّلتْ بالنِّسبة إلى الميزانيَّة الأميركيَّة أشْبَه ما تكُونُ بجيبٍ مثقوب تتسرب مِنْه تلك الأموال الأميركيَّة على نَحْوٍ متواصل من أجْلِ إيقاف موسكو عِندَ حدٍّ مُعيَّن على طول جبهتها الغربيَّة الَّتي تتماهَى نَحْوَ أوروبا الوسطى والغربيَّة، مرعبة شعوب أوروبا كما فعل هتلر!
لهذه الأسباب عَبَّرَتْ دوَل أوروبا عن عدم ارتياحها للاحتكاك اللَّفظي الَّذي حدَث في الغرفة البيضاويَّة بَيْنَ الرَّئيسَيْنِ دونالد ترامب وزيلينسكي؛ نظرًا لأنَّ دوَل أوروبا الغربيَّة تبقَى تخشى من التَّمدُّد العسكري الرُّوسي الَّذي قَدْ يَطُول دوَلها، إذا ما نجحتْ موسكو في ابتلاع كييف الآن وإلى الأبد! لاحظْ كم يؤدي الخوف دَوْرًا في استغفال الشُّعوب والحكومات!
ثمَّة خشية وشَكٌّ أميركيَّان من أنَّ واشنطن كانتْ ضحيَّة «استغفال» من نَوع ما، استغفال كلَّفها مليارات الدولارات على سبيل ردع موسكو ووضع حدٍّ لطموحات زعيمها «فلاديمير بوتين» المفترضة !
يبدو، هنا، أنَّ الرَّئيس دونالد ترامب لدَيْه شكوك جادَّة في أنَّ الأموال الأميركيَّة الَّتي دُفعتْ لكييف كانتْ تذهبُ لأغراض سوى تلك الَّتي دُفعتْ من أجْلِها. هذا هو سرُّ انتزاع الرَّئيس دونالد ترامب لجلدِه الدبلوماسي درجة طرد الرَّئيس الأوكراني من البيت الأبيض، ومباشرة إلى المطار لِيخرجَ بخُفَّي حنين من واشنطن!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي