الجمعة 28 مارس 2025 م - 28 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

يوم الفرقان «معركة بدر الكبرى» «3»

الاثنين - 10 مارس 2025 02:46 م

أيها الصائمون.. ولا نزال في معركة بدر الفاصلة.. وها نحن وقتما حمي الوطيس، اشتدت الحرب وعلت أوزارها، (وكانت في تلك الأثناء صولات وجولات يطول شرحها، قَالَ ابْن هِشَام:(كَانَ شِعَارُ الصَّحَابَةِ يَوْمَ بَدْرٍ: أَحَدٌ أَحَدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِذ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُم فَ?ستَجَابَ لَكُم أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلف مِّنَ ?لمَلَائِكَةِ مُردِفِينَ) (الانفال ـ 9)، قَالَ ابْنُ جرير: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي أَلْفٍ من الْمَلَائِكَة على مَيْمَنَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَفِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَنَزَلَ مِيكَائِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَة على مَيْسَرَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ، وَنَزَلَ إِسْرَافِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ)، وَقد ثَبت إخْبَاره ـ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام ـ بِمَوَاضِعِ مَصَارِعِ رُءُوسِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ قِتَالًا شَدِيدًا بِبَدَنِهِ، وَقَالَ:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجنَّة، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ حِينَ وَلَّى الْمُشْرِكُونَ: فَفِرْقَةٌ أَحْدَقَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تَحْرُسُهُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِ، وَفِرْقَةٌ سَاقَتْ وَرَاءَ الْمُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُونَ، وَفِرْقَةٌ جَمَعَتِ الْمَغَانِمَ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْأَمَاكِنِ، ثم رجعِ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ـ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ـ مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَالْغَنَائِمُ الْكَثِيرَةُ، وَقَدْ بَعَثَ عَلَيْهِ السَّلَام بَيْنَ يَدَيْهِ بَشِيرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَجَحَدَهُ وَبِهِ كَفَرَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى فرس أُنْثَى مَعْقُود الناصية وَقد عصم ثنييه الْغُبَارُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبِّي بَعَثَنِي إِلَيْك وَأَمرَنِي أَلا أُفَارِقَكَ حَتَّى تَرْضَى، هَلْ رَضِيتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يُنَادِي عَلَى رَاحِلَتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَبْشِرُوا بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ) (السيرة النبوية لابن كثير 2/‏‏ 470). وانتهت غزوة بدر بالنصر المظفر للمسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلًا، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار، ونتج عن غزوة بدر عدة نتائج نافعة يافعة للدولة الإسلامية، فقد أصبح المسلمون في هيبة في المدينة ويهابهم أيضًا من جاورها، وأصبح للدولة الإسلامية دخلا ماليًّا جديدًا ألا وهو الغنائم التي اغتنموها من معركة بدر، الأمر الذي يتحسّن به حال المسلمين في جميع الأحوال نفسيًا ومعنويًّا وماليًا. يقول صاحب كتاب (من بلاغة القرآن، ص: 242): (سجَّل القرآن كثيرًا من المعارك الحربية التي دارت بين المسلمين وخصومهم بطريقته المصورة المؤثرة المتغلغلة إلى أعماق النفوس، وأخفى أغوار القلوب، وها هو ذا يسجل معركة بدر، أولى المعارك الكبرى التي انتصر فيها المؤمنون على قلة عددهم وعدتهم انتصارًا مبينًا، وتسجل الآيات أيضًا أن الله تعالى وعد المؤمنين بالظفر بالعير أو بقريش، وأنهم كانوا يؤثرون أخذ العير لسهولة ذلك عليهم، ولكن الله قد دفعهم إلى الخروج لا للظفر بالغنيمة، بل ليكون ذلك تمهيدًا لتمكين الدين، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، وها هو ذا جيش المسلمين يسير بقلب واجف، وفؤاد مضطرب، يستمد المعونة من الله، ويستغيث به، ويطلب منه النصر، والله يستجيب له، ويعده بأن يمده بالملائكة، ليطمئن قلبه، وتسكن نفسه، وتثبت قدمه، وها هو ذا الأمن يملأ أفئدة الجند، فيجد النوم سبيله إلى عيونهم، وتجود السماء بالماء، فلا يتسرب الخوف من العطش إلى نفوسهم، والله يلقى الأمن والسكينة في قلوبهم، فيقبلون على القتال، في جرأة وبسالة وإقدام، يتزعزع لها قلب العدو، ويمتلئ قلبه بالرعب والذهول، والمسلمون ماضون في عنف، يضربون الأعناق، ويبترون الأكف، فلا تستطيع حمل السلاح، وذلك جزاء عناد المشركين لله ورسوله، ويتخذ القرآن من تلك المعركة درسًا، ويرى أن النصر إنما كفل بهذا الإقدام المستميت، فيحذرهم إذا لاقوا العدو أن يفرّوا من ميدان القتال، وينذرهم إذا هم فعلوا، بأقسى ألوان العقوبات، وشر أنواع المصير، يذكرهم بأن الله هو الذي أمدهم بهذه القوة التي استطاعوا بها هزيمة عدوهم، وكأنه ينبئهم بأنهم ليس لهم عذر بعد اليوم، إذا هم أحجموا عن الجهاد، وخافوا لقاء العدو، ويمضي القرآن متّجهًا إلى المؤمنين يأمرهم بطاعة الرسول، بعد أن تبينوا أن الخير فيما اختار، والنجاح فيما أشار به وأمر، والقرآن في حديثه عن هذه الغزوة قد اتجه أكثر ما اتجه إلى رسم نفسية المقاتلين، والتغلغل في أعماقها، لأن هذه النفسية هي التي تقود خطا المجاهدين، وتمهد الطريق إلى النصر أو الهزيمة، كما اتجه إلى ما يؤخذ منها من تجربة وعظة، وغزوة بدر قد انتهت بالنصر).. فاللهم انصر دينك وأولياءك.

محمود عدلي الشريف

[email protected]