بين الإلهام الإبداعي والتأمل الروحي
الجزائر ـ العُمانية: الكتابة الإبداعيَّة في رمضان، قد لا تُشبه الكتابة في غيره من الشُّهور، ذلك أنَّ للمبدعين في علاقتهم بالكتابة شؤونٌ وفنون، خاصَّة وأنَّ يوميَّات وليالي شهر رمضان تختلف عن بقيَّة الشُّهور بما يفرضه شهر الصيام من سلوكات تعبُّديَّة.
عن الكتابة في رمضان، يقول الروائيُّ الجزائريُّ، محمد جعفر، لوكالة الأنباء العُمانية: أهتمُّ كثيرًا بحالة الكُتَّاب، وكيف يواجهون تغيُّر نمط حياتهم خلال هذا الشهر الفضيل، وكيف يؤثر هذا على سلوكياتهم وأفعالهم وعلى ما اعتادوه وألفوه. وأفهم جدًّا أنَّه ما من أحد قادر على الحفاظ على نمط حياته السابق، على الأقل خلال الأيام الأولى للصيام، كما قد تهبط همّة البعض، فلا يعود يقرأ أو يكتب متى حلَّ هذا الشهر، وقلَّة أيضًا يحدث معها العكس، فتعكف على القراءة والكتابة بهمَّة وهي منبسطة لأنَّها تخلَّصت من عادات كانت تقف أمامها كعائق (السفر، الجلوس على المقاهي..)، كما قد ينشغل آخرون بمزيد من الحرص على أداء جانب مهمٍّ من الشعائر والروحانيات، أو يُخصِّصون جانبًا كبيرًا من وقتهم لقراءة القرآن وللتبصُّر فيه أو الاطلاع على كتب السِّيرة وغيرها من المؤلفات الدينية.
ويرى الروائيُّ الطيب صياد، أنَّ الكتابة في رمضان ساعدته على تنظيم نفسه، إذ يقول: أتذكَّر أنَّي كتبتُ أهمَّ الفصول من روايتي (متاهة قرطبة) بعد كلِّ سحور وصلاة صبح من أيام رمضان عام 2018، كانت تجربة فريدة من نوعها وقد أعطاني ذلك دافعًا لتنظيم نفسي ووقتي ومشاغلي في الأعوام التالية، قد يكون الأمر متعلّقًا بالحالة الشخصيَّة لكلِّ كاتب في علاقته بالصيام، فكما أنَّ هناك من يرى فيه فرصة للتفرُّغ الكامل والتخلُّص من العادات السيِّئة والمثبِّطات، هناك أيضًا من يصعب عليه التفاعل خلال نهار الصيام، خاصَّة إذا كان في وضع صحّي غير مستقر، أنا حاولت أن أستفيد بأقصى قدر ممكن من التوازن الروحي والمادي الذي يمنحه الصيام، فصرتُ أنكبُّ انكبابًا مختلفًا على القراءة والكتابة في رمضان، وأستطيع حمل نفسي على العمل المنظم والتركيز في مشاريعي الكتابية وما يصحبها من بحث ومقارنة ودراسة ومتابعة لما يستجدُّ في موضوع النصّ الذي أشتغل عليه، هذا لا يعني أنَّني لا أكتب في غير رمضان، بل أكتبُ خارج الشهر الفضيل بحسب توفُّر القصص والأفكار ولكن بصورة أقلّ تنظيمًا ممَّا أنا عليه في شهر الصيام.
أمَّا الروائيَّة، لطيفة بروال، وهي كاتبة صدر لها قصَّة بعنوان (رمضان كريم)، تنطلق فيها من البعد الروحي للشهر الكريم وتحاكي أجواءه بما فيه من جماليات وأحداث، فترى أنَّ رمضان بالنسبة لها يحمل خصوصيَّة تميّزه عن بقيَّة الشُّهور، إذ تقول:هل الكتابة في شهر رمضان هي نفسها في باقي الشُّهور أم أنَّها تختلف؟ للإجابة على هذا السُّؤال المهمّ يجب أوَّلًا النظر إلى خصوصيَّة هذا الشهر وما له من ميزات وصفات، وعليه يفترض بالمسلم أن يحترم خصوصيته ويُحسن استغلال أوقاته ولحظاته الثمينة في عبادة الله والتقرُّب إليه ومضاعفة الطاعة والأعمال الصالحات والكاتب، مثله كمثل باقي الناس، له مسؤوليات تجاه هذا الشهر، ولكنَّ شغفه بالكتابة وعدم قدرته على التحكم بالإلهام الذي يأتيه بغير موعد فيفرض عليه حمل قلمه وترجمة أفكاره على الأوراق يجعله مُلزمًا بالتوفيق بين مهمَّته الإبداعية وواجباته الدينيَّة في هذا الشهر المبارك.
ويرى، محمد سليم بوعجاجة (روائيّ وقاصٌّ)، أنَّ فعل الكتابة يُعدُّ عملية مخاض ومعاناة يسبقها توترٌ وتفاعلٌ مع الموضوع، يستدعي هذا الأمر تكيُّفًا للكاتب مع هذا الواقع، ما جعل عديد الكُتّاب يوجِدون لأنفسهم طقوسًا خاصَّة تكون حافزًا لهم على الكتابة، إذ يؤكِّد، لوكالة الأنباء العُمانية، بالقول: مارسيل بروست، صاحب رواية البحث عن الزمن الضائع يعمد إلى عزل غرفته بالفلّين بعيدًا عن الضوضاء والصَّخب حتى يخلو بنفسه للكتابة، فيما كان تشارلز ديكنز يمشي لمسافات طويلة قبل أن ينتهي إلى مكان يستقرُّ فيه للكتابة، على خلاف إدغار آلان بو الذي كان يفضِّل ألا يكتب إلَّا وقطَّته السوداء فوق كتفه، شعورًا منه أنَّ وجودها يدفعه للكتابة، فيما فضَّل البعض الآخر إيجاد طقوس صارمة تجعلهم يجلسون لساعات للكتابة، ولا يخلو كاتب من حاجته إلى إيجاد الجوِّ الملائم للكتابة، لأنَّ فعل الكتابة يناقضُ الرتابة والانسيابية والروتين المكرور، فالتوتر والإثارة والحالات الاستثنائية، كلُّها دوافع وحوافز تحمل الكاتب على الإبداع بصرف النظر عن مستوياتها، وأقصد هناك التوتر بوصفه حالة نفسية ذات طابع أدبي.