الاثنين 10 مارس 2025 م - 10 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

ألسنة وحكايات : رمضان الطفولة .. رمضان الحاضر .. ورمضان القادم ؟!!

ألسنة وحكايات : رمضان الطفولة .. رمضان الحاضر .. ورمضان القادم ؟!!
الأحد - 09 مارس 2025 01:06 م

ناصر المنجي

50

رمضان، هو الشهر الذي لا يبلى ولا يقدُم، لا يأتي رمضان إلا ونشتاق لرمضان العام القادم، فيما نحن نستذكر رمضان في الأعوام الفائتة من حياتنا، نتلو آيات الذِّكر الحكيم ونتذكر قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان)، في هذا الشهر الفضيل تتخلص الألسنة من دنس الكلام ليكون الاستغفار والدعاء بديلًا له، تصفو فيه الأرواح والأفئدة تنبض بالإيمان، يتحول الصائمون إلى (رمضانيين) بكل ما تحمل دلالة شهر رمضان من طهر وروحانية، يقول عزَّ وجلَّ في حديثه القدسي «الصوم لي وأنا أُجزي به، يدعُ شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جُنة، وللصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه» لأنَّ الصيام لا يطِّلع عليه أحد إلَّا الله تعالى ولا يُشارك فيه بالرياء. هل رمضان هذا العام والأعوام السابقة القريبة مختلف عن رمضان الطفولة والبدايات الأولى؟ الإجابة بالتأكيد نعم وهذا هو سياق الزمن، تلك الأيام التي كان يأتي فيها رمضان وترى النخل وكأن زورها أكفٌّ تدعو المولى عزَّ وجلَّ، خرير الماء على سواقي الفلج تسمعه الأذن وكأنه دعاءٌ للخالق، كانت البراءة هي سيِّدةُ الجميع وهي الآمرة الناهية، لم يكن هذا الاستعمار من وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة، كانت أصوات الطبيعة من حفيف الشجر وزقزقة العصافير وموج البحر وغيرها هي خير معين للإنسان في صيامه، رغم صعوبة الحياة وضنكها كان الجميع ينتظر هذا الشهر، وهو كان ينتظرهم أيضًا ليلتقي الجميع مدة ثلاثين يومًا مختلفةٍ عن باقي أيام العام، حيث الدعاء والتسبيح هي قوت الصائم قبل وبعد الإفطار.. لا أقلل من روحانية هذا الشهر الفضيل في هذا الزمن ولكنه زخم الحياة والحروب الناشبة من كل حدبٍ وصوب والتمدُّن الذي غيَّر الكثير من ملامح الريف وملامح حياة ساكنيه جعلته مختلفًا عن السابق.

هل أصبح ذلك من الذكرى؟! نعم هذا ما يحصلُ للأسف، كانت ثمَّة مهنٍ لا تظهر إلَّا في هذا الشهر، وأهازيج جميلة كان يقوم بها الأطفال تلك الفترة الجميلة، ينطلق صوت المؤذن لصلاة المغرب (الله أكبر) فينطلق الأطفال (الملائكة الصغار) وذون وذون ..، فأصبحوا مؤذنين مع المؤذن، وفي هذه العادة بُعد تربوي وتعليمي إضافة إلى الترفيه، كانت القرية وكأنَّها منزلٌ واحد، ما يُميِّز الحياة في الرمضانات السابقة هي البساطة الجميلة في كل شيء، بدلًا من التفاخر في الموائد والأطباق، وما أجملها وأغناها تلك البساطة، وللأسف حاليًّا عندما نتكلم عن البساطة الجميلة فإنَّ القرى تدفع ضريبة التمدُّن التي لا بُدَّ منها على حساب هدوء وجَمال القرية.

يأتي رمضان ونتذكر الأحبَّة والأصدقاء الذين سبقونا ورحلوا عن هذه الفانية، وهم الذين ملأوا حياتنا حبًّا لم ينضب حتى بالموت، يأتي رمضان وفي الوقت نفسه نفكِّر في أهل غزَّة وهم يقضون ليالي ونهارات رمضان بين موتٍ ودمارٍ وجوع وعطش بعد حربٍ لم تُبقِ ولم تذر، مُبشرين فيه بحروبٍ أخرى، تسوق لنا الشاشات الأنباء وكأننا قادرون على حل مشاكل العالم غير مكترثةٍ أو عالمة أنه بالنسبة لمواطنٍ بسيط غير قادرٍ بعد سماعها إلَّا بالدعاء إلى الله عزَّ وجلَّ بأن يعجل في نصرتهم فيما دمعةٍ حزينة تسقط من العين.

هي كلماتٌ بسيطة عن ملامح وجماليات رمضان أيام الطفولة.. وكلمات أبسط عن رمضان في الزمن الحالي.. ولكن ماذا عن رمضان الأعوام القادمة؟!

ناصر المنجي

 كاتب عماني