الاثنين 10 مارس 2025 م - 10 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

نبض طبيب : معًا نتقدم: تعزيز الشفافية والمشاركة لصياغة مستقبل عُمان

نبض طبيب : معًا نتقدم: تعزيز الشفافية والمشاركة لصياغة مستقبل عُمان
الأحد - 09 مارس 2025 01:47 م

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية

60

يأتي ملتقى «معًا نتقدَّم» في نسخته الثَّالثة والَّذي يعكس نهج العهد الجديد الَّذي تتبنَّاه القيادة العُمانيَّة الحكيمة بقيادة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ برؤيته المُتجسِّدة على الانفتاح والشفافيَّة، وفتح قنوات تواصل مباشرة مع الشَّعب بما يعكس تطلُّعاته الَّتي تُعزِّز الحوار المباشر، والإصغاء إلى صوت المواطنين دُونَ تكلُّفات رسميَّة وتعقيدات بيروقراطيَّة في تجسيد صادق يترجم معاني المشاركة الفاعلة بَيْنَ الحكومة والمُجتمع لملامسة الحاضر ورسم ملامح المستقبل.

لم يكُنِ اللِّقاء تقليديًّا، بل تجربة حواريَّة مُثرية تُعِيد تشكيل المشهد الوطني، وتُعِيد بناء العلاقة على أُسُس قائمة على الثِّقة والتَّعاون المشترك، ومنصَّة تفاعليَّة حقيقيَّة اتيحَتْ للمواطنين والشَّباب لِيكُونُوا شركاء في الحوار وصنَّاعًا للرَّأي للتَّعبير عن رؤاهم وطرح تساؤلاتهم ومقترحاتهم بشفافيَّة عالية على المسؤولين، ممَّا يُعزِّز قِيَم المواطنة الفاعلة.

يتجلَّى المشهد في ملتقى «معًا نتقدَّم» بنسخته الثَّالثة في أنَّ التَّواصُل هو أساس النَّهضة الواثقة بنهجها والحريصة على البقاء قريبةً من نبض أبناء عُمان الأوفياء بحوارٍ مشترك إيمانًا بأنَّ التَّنمية والتَّطوير الفعلي لا يتحقَّق إلَّا من خلال تواصُلٍ حقيقي ومستدام مع المُجتمع، والَّذي بِدَوْره يُسهم في بناء سياسات أكثر كفاءة وعدالة، وتلامس الاحتياج من أرض الواقع.

في هذا الملتقى فُتح الكثير من ملفَّات القضايا المحوريَّة الَّتي تشغل الشَّارع العُماني حيثُ كان ملف الباحثين عن عمل وتحدِّياتهم في صدارة المواضيع وسط نقاشات اتَّسمتْ بالصَّراحة والتَّفاعل العميق بَيْنَ المسؤولين والشَّباب، كما كان لصوت المرأة حضوره القوي في النّقاشات، وتمكنتْ من إيصال صوتها بوضوح حَوْلَ أهميَّة مراجعة سنوات التَّقاعد الخاصَّة بها في قانون التَّقاعد، مؤكِّدةً ضرورة الأخذ بِعَيْن الاعتبار متطلبات مَسيرتها المهنيَّة والتزاماتها الأسريَّة، وجسَّدتْ هذه المشاركات دَوْرها المحوري في صنع القرار والمساهمة الفعَّالة في القضايا الوطنيَّة ذات الصِّلة المباشرة بحياتها.

لم تكُنْ هذه الملفات المطروحة فقط، بل تجلَّتْ مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة بشكلٍ لافتٍ، حيثُ كان لهم حضورٌ فاعل وصوتٌ مسموع حَوْلَ سُبل تعزيز حقوقهم، وتوفير بيئة أكثر شموليَّة لهم في سُوق العمل والمُجتمع.

كما تضمَّنتِ الجلسات الحواريَّة ملفات حيويَّة معنيَّة بالتكنولوجيا ومستقبل الشَّباب، الرِّياضة، والثَّقافة، إلى جانب قضايا أخرى ذات أولويَّة.

جاء الملتقى منظَّمًا بدقَّةٍ وانسيابيَّة، ولم يكُنْ نجاحه وليدَ المصادفة، بل ثمرة جهود مضنية بُذلتْ بصمتٍ وعملتْ بإتقانٍ من أصغر الموظَّفِين إلى كبار المسؤولين في الأمانة العامَّة لمجلس الوزراء، الَّذين جعلوا من هذا الحدَث تجربةً جادَّة ومؤثِّرة، وسخَّروا خبراتهم وإرادتهم لإنجاح هذا الحوار الوطني المفتوح؛ لجعلِه نموذجًا رفيعًا للحوكمة الرَّشيدة، الَّتي تُدار بكفاءةٍ واحترافيَّة.

من أهمِّ الجوانب المُضيئة في هذه النُّسخة من الملتقى أنَّ الحوار كان ديناميكيًّا ولم يقتصرْ على استعراض المُشْكلات، بل طُرحتِ القضايا بوضوح، وتجاوزتْ مجرَّد الاستماع، بل شهدتْ تبادلًا مثريًا للأفكار ونقاشًا مفتوحًا حَوْلَ القضايا. وجاءتِ الاستجابات لِتعكسَ رغبةً حقيقيَّة في إيجاد حلولٍ عمليَّة، كما أنَّ المواطن في هذا الملتقى لم يكُنْ متلقيًا، بل تجاوزَ دَوْره حدود الحديث لِيصبحَ جزءًا أساسًا في توجِيه دفَّة النِّقاش، وشريكًا من أجْلِ إيجادِ حلولٍ عادلة ومستدامة.

ولِتَعزيزِ وضوح المخرجات النهائيَّة للملتقى، من المفيدِ في المستقبل نَشْر مُلخَّص تفصيلي للطَّرح، وتحديد الخطوات القادمة في تحويل الأفكار والتَّوصيات إلى خطوات ملموسة، هذا يعطي قِيمةً كبيرة لضمانِ استمراريَّة هذا النَّهج التَّشاركي وتحويل النّقاشات والجلسات الحواريَّة إلى إجراءات عمليَّة تُحقِّق الأهداف المرجوَّة، وتُعزِّز الأثَر الفعلي للملتقى.

ختامًا، إنَّ ما أسفَر عَنْه ملتقى «معًا نتقدَّم» هو تكامل بَيْنَ الدَّولة والمُجتمع، ونموذج يُحتذى به في تعزيز الشفافيَّة والمشاركة المُجتمعيَّة بالانخراط بالحوار المفتوح، ومدّ جسور التَّواصُل بَيْنَ المواطن والحكومة من أجْلِ تحقيق التَّنمية المستدامة، وكخطوة تأسيسيَّة نَحْوَ مرحلةٍ جديدة من الحُكم الرَّشيد في عُمان.

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية

طبيبة وكاتبة عمانية