الاثنين 10 مارس 2025 م - 10 رمضان 1446 هـ
أخبار عاجلة

الأبعاد الجيوسياسية للصراع الأميركي الصيني مقاربة فـي الموقف الأميركي من أوكرانيا

الأبعاد الجيوسياسية للصراع الأميركي الصيني مقاربة فـي الموقف الأميركي من أوكرانيا
الأحد - 09 مارس 2025 01:31 م

المنتصر بن زهران الرقيشي

140

تهدف هذه المقالة إلى دراسة الأبعاد الجيوسياسيَّة والاقتصاديَّة للصِّراع الأميركي ـ الصِّيني والَّذي لا يقتصر على المنافسة العسكريَّة أو الاقتصاديَّة فحسب، بل يمتدُّ لِيشملَ التكنولوجيا، التِّجارة، وحتَّى الأيديولوجيا، وكما يتَّضح من العنوان، تظهر تايوان وباكستان في الصِّراع من النَّاحية الجيوسياسيَّة، حيثُ تُمثِّل تايوان مركزًا تكنولوجيًّا واقتصاديًّا عالَميًّا، بَيْنَما تُعَدُّ باكستان نقطة ارتكاز استراتيجيَّة للصِّين من خلال الممرِّ الاقتصادي الصِّيني الباكستاني (CPEC). ويهدف المقال أيضًا إلى ربطِ ذلك بالقضيَّة الأوكرانيَّة والموقف الأميركي مِنْها، خصوصًا في ضوء بوادر تفاهمات أميركيَّة ـ روسيَّة قَدْ تُعِيد تشكيل صياغة مفاهيم صناعات التَّحالفات الدّوليَّة.

تايوان: (انتقام الجغرافيا)

تايوان ليسَتْ مجرَّد جزيرة، بل هي نقطة محوريَّة في الصِّراع الجيوسياسي بَيْنَ الصِّين والولايات المُتَّحدة، فهي تطلُّ على بحر الصِّين الشرقي وبحر الصِّين الجنوبي، وهو أحَد أهمِّ الممرَّات البحريَّة في العالَم، ويمرُّ عَبْرَه (40%) من التِّجارة العالَميَّة. بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تُعَدُّ تايوان مركزًا عالَميًّا لصناعة أشباه الموَصِّلات، حيثُ تنتج أكثر من (50%) من الرَّقائق الإلكترونيَّة العالَميَّة، هذه الصِّناعة الحيويَّة تجعل تايوان عنصرًا استراتيجيًّا في الصِّراع بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والصِّين، ولهذه الأسباب، فإنَّ الصِّين تَعدُّ تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وتصرُّ على إعادة توحيدها، بَيْنَما تتَّبع معها الولايات المُتَّحدة سياسة «الغموض الاستراتيجي»، حيثُ تدعمُ تايوان عسكريًّا واقتصاديًّا دُونَ الرَّغبة في الانخراط في مواجهة مباشرة، فهي تدرك أنَّ سيطرة الصِّين على تايوان ستمنحها القدرة على الوصول الكامل إلى المحيط الهادئ وسيُمثِّل تحدِّيًا واضحًا للهيمنة الأميركيَّة البحريَّة في المنطقة. لذلك، فإنَّ مصلحة واشنطن تتركز على منْع الصِّين من تحقيق هذا الهدف.

باكستان والممرُّ الاقتصادي الصِّيني ـ الباكستاني (CPEC)

باكستان، بالمِثل، تحتلُّ موقعًا استراتيجيًّا مُهمًّا، حيثُ تحُدها الهند من الشَّرق، وإيران وأفغانستان من الغرب، والصِّين من الشَّمال كما تمتلك ساحلًا على بحر العرب في الجنوب، ممَّا يمنحها منفذًا بحريًّا استراتيجيًّا. ويُمثِّل الممرُّ الاقتصادي الصِّيني الباكستاني (CPEC) جزءًا رئيسًا من مبادرة الحزام والطَّريق، حيثُ يوفِّر للصِّين منفذًا استراتيجيًّا إلى المحيط الهندي عَبْرَ ميناء «جوادر»، متجاوزًا الاعتماد على المضايق الَّتي تسيطر عَلَيْها البحريَّة الأميركيَّة. كما أنَّ هذا المشروع سيُعزِّز النُّفوذ الصِّيني في جنوب آسيا ويمنحُها نقطة ارتكاز استراتيجيَّة في مواجهة النُّفوذ الأميركي والهندي، ولهذا السَّبب يواجِه المشروع تحدِّيات داخليَّة في باكستان، بما في ذلك الهجمات على البنية الأساسيَّة والمُشْكلات الاقتصاديَّة، ممَّا يُهدِّد استقراره، كما أنَّ الولايات المُتَّحدة تبذل جهدها لدعمِ النِّزاعات الانفصاليَّة وكُلِّ ما من شأنه عرقلة هذه المشاريع المرتبطة بالممرِّ. بالمقابل، تعتمد إسلام آباد على اتِّخاذ الموقف المحايد من الأزمة الرُّوسيَّة ـ الأوكرانيَّة، مع إصرارها على الاستمرار في الاستفادة من الجانب الرُّوسي بسبب الأزمة الاقتصاديَّة الَّتي تُعاني مِنْها، ورغم الانتقادات من الولايات المُتَّحدة وحكومات غربيَّة أخرى، استمرَّتْ باكستان في شراء القمح والنِّفط الرُّوسي المخفض. ومن الواقعيَّة السِّياسيَّة فإنَّ قرار باكستان بالحفاظ على الحياد في الحرب الرُّوسيَّة ـ الأوكرانيَّة يأتي في إطار سياستها لتجنُّب الوقوع في فخِّ الانحياز إلى معسكرات أو تكتلات سياسيَّة، ممَّا يُشير إلى ابتعادها عن معضلتها الاستراتيجيَّة التقليديَّة في الاختيار بَيْنَ القوى الكبرى مِثل الولايات المُتَّحدة وروسيا والصِّين.

الأبعاد الجيوسياسيَّة للصِّراع ـ المقاربة مع الموقف الأميركي من أوكرانيا

من خلال المقاربة أعلاه، وإسقاط ذلك على القضيَّة الأوكرانيَّة، فإنَّ الدَّعم المُطلَق الَّذي كنَّا نراه من قِبل الولايات المُتَّحدة لأوكرانيا في صراعها ضدَّ روسيا، يُمكِن فهمُه من خلال نظريَّة التَّوازن الدّولي (Balance of Power Theory)، في هذا السِّياق، فإنَّ الدَّعم الأميركي المُطلق لأوكرانيا كان من وجهة النَّظر الديمقراطيَّة يهدف إلى رغبة واشنطن في احتواء روسيا ومنْعِ هيمنتِها الإقليميَّة وأيضًا استنزاف قوَّتها وإنهاكها عسكريًّا، فالحفاظ على أوكرانيا كدَولة مُستقلَّة يصبُّ في مصلحة التَّوازن الإقليمي في أوروبا، ويمنع روسيا من أنْ تصبحَ قوَّة إقليميَّة مهيمنة، ولعلَّ هذا ـ في الجانب الآخر ـ ما يفسِّر رغبة الصِّين في إيجاد الهيمنة السطوى في جنوب آسيا، وهو أيضًا ما يفسِّر قيام واشنطن بعرقلة الممرِّ الاقتصادي الصِّيني ـ الباكستاني. فواشنطن ترسل رسائل لباكستان بضرورة الابتعاد عن تحالفاتها مع الصِّين أو التَّكيُّف مع الاستراتيجيَّة الأميركيَّة في جنوب آسيا.. وبحُكم الأهميَّة الجيوسياسيَّة لباكستان، خصوصًا مع الهند وأفغانستان، فإنَّ الولايات المُتَّحدة قَدْ تستغلُّ مساعداتها الاقتصاديَّة أو البرامج العسكريَّة لإعادة توجيه سياسات باكستان بما يخدم المصالح الأميركيَّة.

إلَّا أنَّ التَّحوُّلَ الأخير في موقف الإدارة الجمهوريَّة الأميركيَّة الحديثة بقيادة «تـرامب»، والموقف الَّذي شهدَه البيت الأبيض بَيْنَ الرَّئيس الأميركي والأوكراني في البيت الأبيض يوضح بأنَّ الموقفَ الأميركي من أوكرانيا قَدْ تغيَّر (180) درجةً. ويبدو أنَّ الجمهوريِّين قرَّروا بأنَّ على الدوَل أن تعملَ وفق مصالحها بِغَضِّ النَّظر عن القِيَم الأُخـرى ـ وفقًا لنظريَّة الواقعيَّة السِّياسيَّة (Political Realism). ويُمكِن القول بأنَّ المُشرِّعِين السِّياسيِّين في الإدارة الأميركيَّة الحاليَّة وجدوا أنَّ في كُلِّ الأحوال، تسعَى الولايات المُتَّحدة إلى تحقيقِ مصالحِها في أوكرانيا، مقابل أيضًا الاستفادة من إقناع موسكو بالابتعاد عن إيران وسوريا كجزءٍ من صفقة أوسع لتهدئة الأوضاع في أوكرانيا، وهذه السِّياسات تهدف إلى تخفيض الجاذبيَّة الاستراتيجيَّة لاستمرار الحرب بالنِّسبة لروسيا.

في خاتمة هذه المقالة، الصِّراع الأميركي ـ الصِّيني يتجاوز حدود الجغرافيا والسِّياسة، لِيَطُولَ التكنولوجيا والاقتصاد وحتَّى البيئة. وبالرَّغم من خِطاب الولايات المُتَّحدة الَّذي يُظهر دعمَ تايوان كجزءٍ من التزامها بالديمقراطيَّة وحقوق الإنسان، إلَّا أنَّ الحقيقةَ المُطْلقة أنَّ هذا الدَّعمَ وهذه الحربَ هي في نطاق «المنافسة الاستراتيجيَّة البحتة على الموارد والهيمنة، وليس صراعًا بَيْنَ الديمقراطيَّة والاستبداد». وعلى الرّغم من محاولة تسليط الضَّوء على الأبعاد المختلفة لهذا الصِّراع، إلَّا أنَّ الكِتابة بشكلٍ أعمقَ في هذا المجال يُمكِن أنْ يشملَ أيضًا التَّطرُّق للاستراتيجيَّات الصِّينيَّة أو الرُّوسيَّة المُحتملة للتَّعامل مع التَّطوُّرات القادمة مع أهميَّة تناوُل دَوْر القوى الإقليميَّة الأخرى مِثل الاتِّحاد الأوروبي والهند وإيران، والَّتي يُمكِن أن يكُونَ لهَا تأثير كبير على ديناميكيَّات الصِّراع.

المنتصر الرقيشي

 ( كاتب عماني _ الاتصالات الدولية والعلوم السياسة )

[email protected]

المصادر

1. Kaplan, R. (2012). The Revenge of Geography. Random House.

2. Brookings Institution. (2023). The Geopolitics of China’s Belt and Road Initiative. Retrieved from https://www.brookings.edu/articles/chinas-belt-and-road-the-new-geopolitics-of-global-infrastructure-development/

3. Council on Foreign Relations (CFR). (2023). U.S.-China Relations and the Taiwan Question. Retrieved from https://www.cfr.org/task-force-report/us-taiwan-relations-in-a-new-era

4. Reuters. (2023). U.S. Strategy on Ukraine and Russia’s Position on China. Retrieved from https://www.reuters.com/world/us-cuts-off-intelligence-sharing-with-ukraine-ft-reports-2025-03-05/

5.  TSMC Annual Reports. (2023). Global Semiconductor Trends. Retrieved from https://investor.tsmc.com/sites/ir/annual-report/2023/2023%20Annual%20Report_E.pdf

6. The Diplomat. (2023). China-Pakistan Economic Corridor and South Asian Geopolitics. Retrieved from https://thediplomat.com/2022/04/what-the-china-pakistan-economic-corridor-tells-us-about-the-belt-and-road-initiative/