الجمعة 16 مايو 2025 م - 18 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

يوم الفرقان «معركة بدر الكبرى» «1»

السبت - 08 مارس 2025 01:29 م

أيها الإخوة الصائمون.. ونحن نعيش أجواء هذا الشهر الفضيل.. نسأل الله أن يتقبل الله منا ومنكم صوم الشهر وقيامه، ويكتبنا فيه من العتقاء من النيران.. اللهم أهلّه علينا بالخير والفضل وإنعام والرضا والقبول.

واسمحوا لي أن أصحبكم ـ خلال هذا الشهر المبارك ـ في رحلة تاريخية مميزة، تعيد لنا أمجاد الماضي لتنير لنا أضواء المستقبل، إنها رحلة خاصة نقطف فيها من ميادين المعارك والغزوات الإسلامية الخالدة، بطولات ذات صولات وجولات، لتبث في نفوسنا العزة والفخر بديننا، وتثبت في قلوبنا أن وعد الله حق وأن الله مع المؤمنين، ولنعلم أننا ننتصر على عدونا لا بكثرة عدة وعتاد، وإنما بقوة إيماننا وعمق يقيننا بالله تعالى، فيها بنا نمتطي جواد الزمن ممسكين بأقلام المؤرخين لنرى أجمل مشاهد النصر والظفر، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.. ولنبدأ مع أولى هذه الغزوات..

وقعت غزوة بدر لكبرى في شهر رمضان من العام الثاني من الهجرة، وفق كثير من الأقوال في السابع عشر منه الموافق 13مارس 624م، وهي أول معركة من المعارك الإسلام الفاصلة، و(إذا أراد الحق سبحانه وتعالى معركة فاصلة، يجعل الخواطر في كل قوم مهيجة على الحرب؛ لأنه سبحانه وتعالى يريد للفئتين أن يشتبكوا، ويفصل الحق في المسألة، وهذا الاشتباك لو حدث بالمقاييس العادية ربما جَبُنَتْ الفئة القليلة عن أن تواجه الفئة الكثيرة.. ولكي تتم المعركة لا بد أن يكون كل من الفريقين المتحاربين واثقًا من النصر؛ لأنه لو أيقن أحدهما أنه سيهزم لما دخل إلى المعركة، والله سبحانه وتعالى يُعلم رسوله والمؤمنين كيف أعد الله الإعداد النفسي للمعركة، فأرى النبي في الرؤيا أن عدد الكفار قليل حتى يؤمن أن المؤمنين سينتصرون عليهم بسهولة، فرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ رأى في منامه رؤيا توضح أن عدد الكفار قليل في أعين المؤمنين، وأخبر قومه بذلك وقد قلل عدد المؤمنين في أعين الكفار، ليتم اللقاء وتحدث المعركة) (تفسير الشعراوي 8/‏ 4716)، (فَكَانَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ بَدْرٍ، يَوْم الْجُمُعَة لسبع عشرَة من رَمَضَان، سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ وَتِجَارَةٌ، وَكَانَ فِي الْعِيرِ أَلْفُ بَعِيرٍ تَحْمِلُ أَمْوَالَ قُرَيْشٍ بِأَسْرِهَا، فنَدَبَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا»، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يتجسس من لقى من الركْبَان تخوفا على أَمر النَّاسِ، حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ: أَنَّ مُحَمَّدًا قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَكَ وَلِعِيرِكَ، فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ، فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إِلَى مَكَّةَ، فأعلى على أهل مكة وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتِ الذى كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ، فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يَثْنِيَهُمْ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ: أَنَا لَكُمْ جَارٌ من أَن تَأْتيكُمْ كنَانَة من خلفكم بشيء تَكْرَهُونَهُ، فخرجوا فِي تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلًا مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ يَقُودُونَهَا، وَمَعَهُمُ الْقِيَانُ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وَيُغَنِّينَ بِهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَرِهِم بَطَرا وَرِئَاءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيط، وَإِذ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطَنُ أَعمَلَهُم وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱليَومَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَا لَّكُمۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ ٱلفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِّنكُم إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَونَ إِنِّي أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ) (الأنفال 47 ـ 48).. ونكمل الحديث غدا حول ما كان من أحداث.

محمود عدلي الشريف

[email protected]