الأربعاء 16 يوليو 2025 م - 20 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

بين الزهد والقير والنظر بعين واحدة

بين الزهد والقير والنظر بعين واحدة
الأربعاء - 05 مارس 2025 01:31 م

عادل سعد

30


•تفرض مفارقةً، الرِّواية التُّراثيَّة عن الزَّاهد الَّذي أغلقَ إحدى عَيْنَيْه بالقير؛ لأنَّه يعتقد أنَّ النَّظر إلى الدُّنيا بِعَيْنَيْنِ اثنَيْنِ إسرافُ.

القير هنا حاجز أسود سميك لتحقيقِ العتمة الكاملة، والمفارقة اقتصاد مبطَّن في نفقات الرُّؤية، وبذلك تظلُّ فرضيَّة هذا الزَّاهد وجهة نظر قابلة للمداولة والردِّ المُفعم بقدر ما يتعلق ذلك بالهدف المرسوم.

•إنَّ الامتناع عن توسيع النَّظرة بخلٌ واضحٌ، وإزاء ذلك لا مفهوم يتيح الاستنارة إذا لم تكن على عِلمٍ بالَّذي يحيط بِك، ليس من محتوى التَّطفُّل، بل من مستوى أن تكُونَ فاعلًا حقًّا في صياغة قِيَم سُلوكيَّة على درجة مناسبة من الأمانة.

•الزُّهد قِيمة إنسانيَّة، ولكن ليس أيّ زهد، فالزُّهد بمحرِّكات التَّرفُّع عن الصَّغائر والذَّهاب إلى التَّبصير فضيلة تستحقُّ التَّقدير، بَيْنَما الزُّهد المُتمثل برفضِ الرُّؤية السَّديدة انتقاص لمسؤوليَّة المعرفة، والنَّص القرآني في قوله تعالى (وجادلهم بالَّتي هي أحْسَن) (سورة النَّحل الآية 125) تحثُّ بصورةٍ مباشرة على استيعاب ما يجري وليس الاستدارة عَنْه. وإذا كان المَثل الإنجليزي يقول (أن تأتيَ متأخرًا خير من أن لا تأتي) فإنَّه يوفِّر للأحداث غطاءً ناضجًا من الرَّأي الرَّاجح.

•عمومًا، نحن أمام قائمة طويلة من الأحداث الدّوليَّة الَّتي تتطلب النَّظر إِلَيْها بأكثر من عَيْنٍ واحدةٍ إنصافًا للحقيقة.

•لا إسراف، أن ينظرَ الرَّأي العامُّ الدّولي بالمزيد من الحرفيَّة إلى أنَّ أصْلَ البلاء في كُلِّ ما يجري في منطقة الشَّرق الأوسط هو الاحتلال «الإسرائيلي» وليس أمرًا آخر بما في ذلك ما تعانيه المنطقة من فقر وتجارب تنمويَّة متذبذبة ومحاولات تغييب السَّلام العادل الَّذي ينبغي أن يَقُومَ على أساس حلِّ الدَّولتَيْنِ، ويندرج تحت طائلة هذه الإشكاليَّة فرضيَّة تهجير سكَّان غزَّة من موطنهم.

•الإحاطة الجوهريَّة لهذه الجزئيَّة، هل سأل الرَّئيس الأميركي ترامب نَفْسَه: ما هي أحقيَّته لإملاء هذا المقترح؟ وهل يستطيع أن يجدَ ولو ذرَّة واحدة من منطق حقوق الإنسان تدعم موقفه؟ كيف له أن يعتقدَ أنَّ مسؤولًا عربيًّا واحدًا سيمضي قُدمًا معه في تنفيذ مشروعه هذا؟

•لنا أن نتصوَّرَ المشهد لو قرَّرَ ترامب تنفيذ ما اقترحه، هل سيُنظِّم قوافل بَرِّيَّة وبحريَّة وجوِّيَّة لتنفيذِ خطوتِه لترحيلِ مليونَي غزِّي من وطنهم عنوة، يا للبجاحة أن يتمَّ السُّكوت على هذا المشهد الانتهاكي المريع.

في شأنٍ آخر ما زال موضعَ جدَلٍ يتعلَّقُ باستخدامِ الضَّربة السِّياسيَّة القاضية لإيقاف الحرب الرُّوسيَّة الأوكرانيَّة.

•إنَّ تلاسُن ترامب ومعاونة نائبه فانس مع الرَّئيس الأوكراني زيلينسكي مشهد اغتيال صارخ للدبلوماسيَّة.

•المؤكَّد، كان النَّظر بَيْنَ الطَّرفَيْنِ عَبْرَ عينٍ واحدةٍ فحسب، وإزاء ذلك.

ستظلُّ موسكو قلقةً وتحتفظ بعددٍ من الأسئلة رغم التَّمهيد الَّذي وفَّرته واشنطن لها، والقلق صانع محترف للأزمات والمتغيِّرات.

•إنَّ ما يريده الرُّوس وفق اخر بياناتهم سلامًا يُغطِّي حقوقهم الجيوسياسيَّة؛ لذلك هناك هامش من الحذر لدَى الكرملين إزاء أن تكُونَ الصَّفقة قائمةً على منافع اقتصاديَّة متبادلة فقط. وإلَّا لَمَا قامتِ الحرب، إذ كان من الممكن التَّوصُّل إلى مقاصةٍ سياسيَّة وأمنيَّة، وفي هذا السِّياق، استوقفني تصريحٌ للرَّئيس الرُّوسي بوتين قَبل أيَّام قليلة حين قال، إنَّه مع مشاركة الاتِّحاد الأوروبي في أيَّة مفاوضات سلام لإنهاء الحرب، كذلك الحال، إنَّ أوكرانيا والأوروبيِّين يتطلَّعون إلى ضمانات أن لا تستثمرَ موسكو الموقف لفرضِ نفوذِ المنتصر.

•بخلاصة تحليليَّة أشمل للرِّواية عن ذلك الزَّاهد، يبقَى القير (الإسفلت) مادَّة نفطيَّة لاستخدامات التَّعبيد وتسوية الطُّرق وليس لقطْعِ الرُّؤية.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]