يجمع مختصون على أنَّ ملف المياه في العراق لم يَعُدْ ملفًّا فنيًّا للتَّعامل معه، بل أصبح ملفًّا سياديًّا سياسيًّا؛ لأنَّ الأزمة عميقة وكبيرة تنذر بمخاطر على الأمن المائي ما يزيد من احتماليَّة نضوب نهرَي دجلة والفرات وهو ما ذكرته تقارير دوليَّة عن إمكانيَّة تعرُّض النَّهرين إلى الجفاف بعد ثلاثين عامًا، وهذا ما أكَّدته منظَّمة المياه الأوروبيَّة والمنظَّمة الدوليَّة للبحوث عن مستقبل نهرَي دجلة والفرات.
وتفاقمت أزمة شح المياه في العراق خلال السَّنوات الأخيرة لعدَّة أسباب وعوامل تشابكت معًا، وتراجع الإمدادات المائيَّة من منابعها المتمركزة في تركيا وإيران. وتشكو بلاد ما بَيْنَ النَّهرين الظَّمأ الَّذي وضعته في المرتبة الخامسة بَيْنَ الدوَل الأكثر تضررًا مِنْه بسبب أزمة التَّغيُّر المناخي الَّتي يعاني مِنْها العراق.
ويُواجِه العراق شحًّا مائيًّا يُعَدُّ «الأصعب منذُ ثلاثينيَّات القرن الماضي» بسبب تدنِّي مناسيب مياه نهرَي دجلة والفرات قابلَها ارتفاع دقَّات ناقوس الخطر تحذِّر من مخاطر نضوب النَّهرين وتصحُّر وجفاف ما بَيْنَهما من أراضٍ في ثنائيَّة تعكس حال العراق. ويحتاج العراق إلى إنشاء (36) سدًّا، بالإضافة إلى سدود للطَّاقة الكهربائيَّة الَّتي تستخدم لرفع منسوب المياه للحصول على الطَّاقة الكهرومائيَّة المستدامة؛ لأنَّها تهدف إلى تحسين الاستفادة من الموارد المائيَّة، وتعزيز الأمن المائي، الأمْر الَّذي يتطلب التَّعاون مع دوَل الجوار، خصوصًا تركيا حيثُ مصدر (70%) من مياه الأنهار في العراق، حسب مصدر مختص الَّذي توقع أن يكُونَ هناك تغيير نوعي في معالجة أزمة المياه من خلال ترشيد الاستهلاك والاستخدام العقلاني لهذه الثروة.
ويضمُّ جنوب العراق (3) أهوار رئيسة: هور الحويزة على الحدود الإيرانيَّة، وهور الحمّار وسط المنطقة، وأهوار الفرات الَّتي تمتدُّ شمال وغرب البصرة وجنوب منطقة العمارة القريبة من مصب دجلة والفرات.
يشار إلى أنَّ نهرَي دجلة والفرات يؤمنان (90%) من حاجات العراق المائيَّة الَّتي تتراوح من (70) إلى (80) مليار متر مكعب سنويًّا، وطبقًا للتقديرات الرسميَّة غير أنَّ حجم هذه الحاجات سيتجاوز بكثير (100) مليار متر مكعب سنويًّا خلال الأعوام المقبلة.
وما يُعمِّق مخاطر الأزمة المائيَّة في العراق هو العزوف عن بناء السُّدود وعدم الاكتراث بالتَّجاوز على حصَّة العراق من مياه دجلة والفرات طبقًا لنظام الدوَل المتشاطئة ما ألحقَ أضرارًا جسيمة بالأرض والإنسان.
وخلاصة القول: إنَّ التَّجاوزات على حقوق وأمن العراق المائي قابلَها موقف المعنيين بهذا الأمْر بموقف لا يرتقي إلى مستوى الكارثة المحتملة. وحتَّى لا يتحوَّل العراق إلى بلدٍ منكوب يعاني من التصحُّر وندرة مياه نهرَيْه واحتمالات نضوبها مستقبلًا، ينبغي تصحيح هذا الخلل بالشروع ببناء سدود وإقامة بحيرات لتخزين مياه النَّهرين، وتصحيح علاقة العراق بالدوَل لضمان حقوقه، ودرء مخاطره المحتملة على الإنسان والأرض معًا.
أحمد صبري
كاتب عراقي