الاثنين 24 فبراير 2025 م - 25 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

مصادر النزاع وتفسير القوى المحركة لشؤون الأمن العالمي

مصادر النزاع وتفسير القوى المحركة لشؤون الأمن العالمي
الأحد - 23 فبراير 2025 01:30 م

محمد بن سعيد الفطيسي


يجد المتتبع لتلك التَّوَجُّهات الكبرى الَّتي حدثتْ في النِّظام العالَمي (العقد الثَّالث من القرن الـ21) والَّتي كان لها الدَّوْر الأبرز والأهم في توجيه خريطة العالَم الجيوسياسيَّة والجيواقتصاديَّة الرَّاهنة. تحديدًا منذ العام 2001م. يلحظ وبكُلِّ وضوح مع مطلع العام 2025 الكثير من المتغيِّرات في خريطة السِّياسة الدّوليَّة، وعلى رأسها توسّع الاهتمام من جديد بمركز الثّقل الجيوبوليتيكي التَّاريخي، أقصد منطقة الشَّرق الأوسط، تحديدًا المناطق الَّتي تحتوي على ما تبقَّى من مخزونات النِّفط ومصادر الطَّاقة.

هذا الأمْر يعكس الأهميَّة المتنامية للقوَّة الصناعيَّة والأبعاد الاقتصاديَّة للأمن والَّتي بكُلِّ تأكيد لم تتوقفْ منذُ نهاية الحرب العالَميَّة الثَّانية، حيثُ يتبَيَّن أنَّ «ثمَّة إيمانًا بأنَّ المعالم المُحدّدة للقوَّة والنُّفوذ قد تغيَّرت، ففي حين كان يعتقد في الماضي أنَّ القوَّة القوميَّة تكمن في امتلاك ترسانة جبَّارة والحفاظ على منظومات تحالفات موسَّعة، فإنَّها في الوقت الحالي ترتبط بالديناميَّة الاقتصاديَّة ورعاية الابتكار التكنولوجي. ولممارسة الزَّعامة في العصر الحالي يتوقع من الدوَل أن تمتلكَ اقتصادًا وطنيًّا قويًّا، وأن تتفوقَ على الدوَل الأخرى في سلع التقنيَّة العالية وتصديرها».

وفي هذا السِّياق يقول لايرا تشيرنوس في مقال له بعنوان (تغيُّر مناخي خطير يدفع البنتاجون إلى الجنون) إنَّه: كُلَّما وجَدَ البَشَر أنْفُسهم مضطرّين إلى الاختيار بَيْنَ الموت جوعًا أو الإغارة، فإنَّهم سيختارون الأخيرة، لذلك عَلَيْنا أنْ نفترضَ أنَّه: إذا كان العالَم سيتعرض لتغيير حادٍّ في المناخ في العقود القليلة القادمة ـ رُبَّما هذا المناخ لن يكُونَ شتاء جليديًّا أو تمدُّد ثقب الأوزون بقدر ما سيكُونُ شتاء طويلًا في أسعار النِّفط سيؤدِّي إلى نتائج كارثيَّة على الدوَل والشُّعوب ـ، فإنَّ النَّمط القديم التَّالي سيَعُودُ إلى الظُّهور، وهو اندلاع حروب شاملة يائسة حَوْلَ الغذاء والماء والطَّاقة، وقد تَعُودُ الحرب مرَّة أُخرى لترسمَ حدود الحياة والموت.

كما يُشير ريموند سي. كيللي وهو عالِم في الانثروبولوجيا في دراسته الموسومة «مُجتمعات السِّلم وأصل الحرب» إلى أنَّ الحروب غالبًا ما تُخاض للسَّيطرة على الموارد، حتَّى في أكثر المُجتمعات البَشَريَّة بساطة، ويورد كيللي ـ على سبيل المثال ـ ملخَّص وصف أتى به عالِم الانثروبولوجيا الوصفيَّة ايه. آر. رادكليف ـ براون في الثلاثينيَّات من القرن الـ(20) لاثنين من قبائل سكَّان أستراليا الأصليِّين: .... عِندَما كان يأتي فريق من الصيَّادين أو جامعي العسل من قبيلة ما إلى مكان لصيدِ البَر أو البحر أو إلى شجرة عَلَيْها قرص عسل فيجد فريقًا من الصيَّادين أو جامعي العسل من قبيلة أخرى قد سبقَه إلى المكان ينشب صراع بَيْنَ الفريقَيْنِ وينتهي باستحواذ أكبرهما بقوَّة السَّلاح على الموارد المتنازع عَلَيْها.

ويوثِّق كيللي في كِتابه تطوُّر الصِّراع المنظَّم بدءًا من الغارات البسيطة وحوادث قتل الثَّأر إلى حروب الدوَل الَّتي تحصد ألوف الأرواح. ويبدو أنَّ الدَّافع إلى خوض الحرب لم يتغيَّرْ كثيرًا على امتداد تاريخ التَّطوُّر البَشَري، ولكن درجة العنف ظلَّت تتصاعد في الألفيَّات الأخيرة بشكلٍ مترادف مع حجمِ المُجتمعات المتحاربة ومستوى ما تمتلكه من تكنولوجيا.

على ضوء ذلك يتَّضح بأن الأهميَّة المحوريَّة والثّقل الجيواقتصادي والمحرِّك الأقوى للأمن العالَمي في المستقبل القائم والقادم، وكذلك المصدر الأعظم للقوَّة والسُّلطة والنُّفوذ السِّياسي في العقود القادمة من جهة، والسَّبب الأكبر والأبرز للصِّراعات والحروب والتَّدخُّلات في الشُّؤون الدَّاخليَّة للدوَل في القرن الـ(21) من جهة أخرى، سيرتكز حَوْلَ مصادر الطَّاقة بوجْهٍ عامٍّ والنِّفط على وجْه الخصوص.

صحيح أنَّ المنافسة على الموارد الاقتصاديَّة والَّتي يقع على رأسها النِّفط لن تثبتَ بالطَّبع أنَّها المصدر الوحيد للصِّراع في القرن الحادي والعشرين. وصحيح كذلك «أنَّه لن يكُونَ العامل الوحيد أو الشَّيء الكبير الأوحد كما يُسمِّيه توماس فريدمان من صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، ولكن من الواضح تمامًا بأنَّه لن يكُونَ من الممكن كذلك» تفسير القوى المحرِّكة لشؤون الأمن العالَمي ـ في الحاضر والمستقبل ـ بِدَونِ الاعتراف بالأهميَّة المحوريَّة للمنافسة على الموارد بالنِّسبة لكُلِّ بلدٍ تقريبًا في العالَم، حيث أصبحَ السَّعي وراء الموارد السِّياسيَّة وحمايتها سِمة كبرى في تخطيط الأمن القومي، كما أنَّ قضايا الموارد تُظهر أهميَّتها أيضًا في التَّنظيم والنَّشر والاستخدام الفعلي لكثير من القوَّات العسكريَّة في العالَم، في حين أنَّ التَّنافس على الموارد قد لا يكُونُ الشَّيء الكبير الواحد الَّذي يكمن في صميم كافَّة العلاقات الدّوليَّة، فإنَّه يساعد على تفسير الكثير ممَّا يحدُث في العالَم اليوم».

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @