الاثنين 24 فبراير 2025 م - 25 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

قفزات فـي الظلام

قفزات فـي الظلام
الأحد - 23 فبراير 2025 01:11 م

أ.د. محمد الدعمي

10


حتَّى قَبل أن يرتقيَ دونالد ترامب إلى الغرفة البيضويَّة في البيت الأبيض، نلاحظ أنَّه عمل جاهدًا على تقديم نَفْسه للجمهور الأميركي، بل وللعالَم بأسْره، على أنَّه «حلَّال المشاكل»، الزَّعيم القادر بضربة «عصا سحريَّة» أن يحلَّ أكثر المشاكل العالَميَّة المزمنة تعقيدًا واستعصاءً، أي تلك المشاكل والأزمات الَّتي أضنَتْ كبار قادة العالَم عَبْرَ عقود طوال، كمُشْكلة الصِّراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي»!

ولا رَيْب، بأنَّ فكرته الجوهريَّة مستوحاة من تقديم نَفْسه علی شل «سوبرمان» Superman، الرَّجل الخارق الَّذي يلاحق الأزمات والمشاكل أينما كانتْ أو وُجدَتْ على سبيل حلِّها وأن يضعَ الأشياء في نصابها الصَّحيح. والحقُّ، فإنَّه من زاوية معيَّنة مبرّر ومحقٌّ في هذا النَّزق وفي هذه النَّرجسيَّة الَّتي رافقَتْه مذ شبَّ حتَّى شاب، خصوصًا مع ما أُوتي له من أدوات وفرص، ليس في موقعه على رأس أغنى وأقوى دَولة بالعالَم فقط، ولكن كذلك في خضمِّ معطيات عصر جديد قائم على التَّسليم العالَمي بنظام القطب الواحد، بعد تقهقر كُلٍّ من روسيا وأوروبا الغربيَّة أمام صعود نجم «العمِّ سام» Uncle Sam إلى عنان السَّماء.

بَيْدَ أنَّ هذا التَّفرُّد وهذه النَّرجسيَّة المُفرطة يُمكِن أن تَقُودَ إلى ما لا تُحمد عقباه من نتائج ومعطيات، خصوصًا عِندَما تعبثُ النَّرجسيَّة مع مصائر شعوب مظلومة لها من رصيد الكفاح التَّحرُّري عشرات السِّنين، كالشَّعب الفلسطيني الشَّقيق.

إنَّ تحجيم مُشْكلة كمُشْكلة الشَّعب الفلسطيني المغصوبة أراضيه، بل وحتَّى الشَّعب الأوكراني بهذه الطَّريقة النَّزقة والاندفاعيَّة العمياء لا يُمكِن أن تفضيَ إلى حلٍّ مقبول ودائم في نهاية المطاف، خصوصًا وأنَّ اعتداد ترامب المُفرط بِنَفْسِه لا يُمكِن أن يقنعَ «الجنرال»، كما يُطلق ترامب هذه الصِّفة على الرَّئيس المصري السيسي، أن يضيفَ إلى سكَّان مصر الَّتي تنوء بأعباء فائض سكَّاني مول، أقول لا يُمكِن أن يقنعَه بإضافة جزء من سكَّان فلسطين، وإن على نَحْوٍ مؤقَّت، ناهيك عن تجاوز ترامب القيادات العربيَّة جمعاء باقتراحه نقْلَ شَعبٍ كامل من أرضِه وأرض أجداده إلى بقاع أخرى، وإن عزَّتْ تلك الأرض على هذا الشَّعب المغلوب على أمْره!

إنَّ النَّزق والاعتباطيَّة والاندفاعيَّة الَّتي ميَّزتْ أفكار وقرارات الرَّئيس دونالد ترامب لا يُمكِن أن تكُونَ مقبولةً من كُلِّ الأطراف، حتَّى وإن كانتْ مقبولةً ومشجّعة من قِبل أغنى رجُل في العالَم، من أمثال إيلون ماسك!

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي