الاثنين 24 فبراير 2025 م - 25 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : يوم نحتفل فيه بالعقول التي تصنع الغد

الأحد - 23 فبراير 2025 06:35 م

رأي الوطن

10


في الرَّابع والعشرين من فبراير من كُلِّ عام، تحتفي سلطنة عُمان بيوم المُعلِّم العُماني، في لفتةِ وفاءٍ وتقدير لِمَن يحملون مشعل العِلم ويُنيرون دروب الاجيالن فهذا اليوم ليس مجرَّد مناسبة احتفاليَّة، بل هو رسالة تعكس الدَّوْر العظيم للمُعلِّم في تشكيل وعي المُجتمع وصياغة مستقبله، فالتَّعليم هو اساس التَّنمية، والمُعلِّم هو القلب النَّابض لهذه المَسيرة، لا يقتصر دَوْره على نقلِ المعرفة، بل يتعداه الى بناء شخصيَّة الطلاب وغرس القِيَم والمبادئ الَّتي تصنع مِنْهم قادة المستقبل، لذا فتاثير المُعلِّم يمتد الى ما هو ابعد من الفصول الدراسيَّة، فهو يُشكِّل وجدان الافراد، ويَبني جسورًا من الفكر والإبداع تُسهم في نهضة الوطن. ومن هذا المنطلق يعكس الاحتفاء بهذه الفئة ايمان المُجتمع بأنَّ نهضة الأُمم تبدأ من مُعلِّميها، فَهُم الحصن الَّذي يحمي الهُوِيَّة الوطنيَّة، وهُم الشُّعلة الَّتي تُنير العقول وتجعلها أكثر قدرة على مواجهة التَّحدِّيات بروح منفتحة وإصرار لا يلين.

تتجلى رؤية طموحة تجعل التَّعليم محورًا أساسًا للتَّطوُّر، تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ، ما يضع مسؤوليَّة مضاعفة على كاهل المُعلِّمين، ففي عالَم متغيِّر أصبح المُعلِّم مطالبًا بمواكبة أحدث الأساليب التَّربويَّة، ومزج الإرث الثَّقافي العُماني مع متطلبات العصر الحديث، ولم يَعُدْ دَوْره يقتصر على التَّلقين، بل أصبح صانعًا للعقول، محرِّكًا للإبداع، وداعمًا للمهارات لدَى الطُّلاب، وهذه المُهِمَّة تتطلب صبرًا وتفانيًا، لكنَّها أيضًا تمنح المُعلِّم مكانةً خاصَّة؛ باعتباره الرَّكيزة الأساسيَّة الَّتي تقف عَلَيْها منظومة التَّعليم والتَّطوير. فالمُعلِّم اليوم ليس مجرَّد ملقِّن للمعلومات، بل هو قائد تربوي يرشد الطُّلاب نَحْوَ بناء شخصيَّات مُستقلَّة وواعية، قادرة على تحقيق طموحات الوطن والمُجتمع، وهذه المسؤوليَّة تتطلب دعمًا مستمرًّا من المؤسَّسات التَّعليميَّة، لضمان حصول المُعلِّم على بيئة عمل محفِّزة تساعده على تقديم أفضل ما لدَيْه.

إنَّ التَّحدِّيات الَّتي يواجهها المُعلِّم العُماني اليوم تتطلب استعدادًا دائمًا للتَّعلُّم والتَّكيُّف مع أساليب التَّعليم الحديثة، فالتكنولوجيا قلبتْ موازين التَّعليم التَّقليدي، وأصبح على المُعلِّم أنْ يدمجَ بَيْنَ الوسائل الرَّقميَّة والنَّهج التَّفاعلي لضمانِ تجربة تعليميَّة ثريَّة ومُلهِمة. وهنا يأتي دَوْر برامج التَّدريب والتَّطوير المستمرَّة الَّتي تُسهم في تمكين المُعلِّمين من أدوات العصر، وتزويدهم بالمهارات الَّتي تساعدهم على تحفيز طلَّابهم وتحقيق أفضل النَّتائج، فنجاح العمليَّة التَّعليميَّة لا يعتمد فقط على المناهج والمقرّرات، بل على قدرة المُعلِّم على استثمار موارده الفكريَّة والعاطفيَّة لخلقِ بيئة تعليميَّة تشجِّع على الابتكار والاستكشاف. فالمُعلِّم الَّذي يواكِبُ التَّطوُّرات التقنيَّة يُصبح قادرًا على تقديم محتوى تعليمي أكثر تشويقًا، يساعد الطُّلاب على التَّفكير النَّقدي وحلِّ المُشْكلات، بدلًا من مجرَّد استيعاب المعلومات دُونَ تطبيقها في الواقع العملي.

ولعلَّ أيَّ نظام تعليمي قوي لا يكتمل دُونَ بيئة داعمة تُقدِّر جهود المُعلِّم، وتوفِّر له الإمكانات الَّتي تساعده على أداء رسالته بأفضل صورة، فالتَّكريم الحقيقي للمُعلِّم لا يكمن فقط في الاحتفاء به ليوم واحد، بل في خلقِ ثقافة مُجتمعيَّة تُدرك قِيمته وتَضْمن له الدَّعم والتَّقدير المستمر، وهو ما يَجِبُ أنْ ينعكسَ على السِّياسات التَّعليميَّة، وبرامج التَّحفيز، وتوفير بيئة عمل محفِّزة. فالمُعلِّم العُماني هو بوصلة المستقبل، ودَوْره في بناء الأجيال القادمة لا يقلُّ أهميَّة عن أيِّ عنصر آخر في مَسيرة التَّنمية، لذا فإنَّ الاستثمار في المُعلِّم هو استثمار في الوطن، ومستقبل عُمان سيظلُّ مشرقًا طالَما أنَّ هناك مُعلِّمين مُخلِصِين يحملون شعلة المعرفة وينقلونها بكُلِّ حُبٍّ وإخلاص، فكُلُّ طالب ناجح، وكُلُّ إنجاز يُحققه أبناء الوطن، يقف خلْفَه مُعلِّم آمَنَ بقدراتهم، وكرَّس جهوده ليصنعَ مِنْهم قادةً للمستقبل، مُسلَّحِين بالعِلم والقِيَم، ومؤهَّلِين للمشاركة في بناء مُجتمع متقدِّم ومزدهر.