القارئ الكريم.. حينما يأتي الإنسان إلى الدنيا فإنَّ له مُهِمَّةٌ كبيرة فإِذا شُغِلَ عنها فقد لهى بسواها وانشغل عنها، وقد وَرَدَ في بعض الآثار القدسية:(أي عبدي خلقتُ لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب، وخلقتُك من أجلي فلا تلعب، فَبِحَقِّي عليك لا تتشاغلْ بما ضمنته لك عمَّا افترضتُهُ عليك).. علينَا أن نفهم أنَّ ضمانَ الله لنا الرزق مثلًا ليس معنى ذلك أنْ نمدَّ يدنا صبيحة كل يومٍ تحت الوسادة لِنَأْخُذَ المالَ، بل إنَّ معنى ضمان الرزق لنا من الله بمعنى علينا أن نسعى في سبيل الحصول عليه بالطرق المشروعة وأنْ نأخذَ بالأسباب، أمَّا أن نَقْلَقَ وننسى ربنا وديننا وآخرتنا ونقع في المعاصي والآثام من أجل الرزق فهذا لا يُرْضِي الله عز وجل، حيث إنَّ من أسباب وفرة الرزق (كثرة الاستغفار)، قال الله تعالى:(فقلتُ استغفروا ربَّكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لَّكم جنَّاتٍ ويجعل لكم أنهارًا) (نوح 10 ـ 12)، واتقان العمل أحد أسباب وفرة الرزق إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه، والصدقة كذلك أحد أسباب وفرة الرزق، استنزلوا الرزق بالصدقة (و أنفقوا من ما رزقناكم) (المنافقون ـ 10)، وأسباب أخرى..
ولله ـ جلَّ وعلاَ ـ حقٌّ في أوقاتنا عبادةً وذِكْرًا، فيجب علينا أن نُؤَدِّيَ الصلوات الخمس في أوقاتها وأن نتقنَ أداءَ هذه الصلاة، ويجب علينا أن نقتطعَ من وقتنا زمنًا لتلاوة القرآن وآخر لطلب العلم، وكذلك للأعمال الصالحة والدعوة إلى الله وهدايةِ الناسِ، كلُّ ذلك يُعَدُّ زكاةً للوقتِ، فقد جاء في الأثر:(من شغله القرآنُ وذكري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أُعطي السائلينَ). فالحذر الحذر من تقديمِ وقتِ الأولاد والمال على وقتِ الله وتقديمِ رضاهم على رضا الله فإنَّ ذلك يُوقِعُ فيما وقع فيه المنافقون حين آثروا دنياهم على آخرتهم، هكذا قال الله عزَّوجلَّ:(إنَّ هؤلاء يحبون العَاجلةَ ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً) (الانسان ـ 27).
القارئ الكريم.. إِنْ أردتَ أن يرضى عنك ربك وإِنْ أردتَ أن تكون مؤمنًا حقًّا فانفِقْ مما رزقك الله ولا تنشغل بأن تسعى وراء ضمان مستقبل أولادك فتعصي ربك بإيثارك المال والولد على طاعة الواحد الأحد، فعن عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسًا قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، ولا أجد أحسن ولا خير من توجيه وموعظة رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ في كيفية ربح صفقة العمر.
إعداد ـ عبدالفتاح بن محمد بن تمنصورت
إمام مسجد الحارثي ـ العرين بمطرح