إنَّ لاسمِ الجلالةِ (الله) مقامًا خاصًّا في قلوبنا ـ نحن المسلمين ـ وله منزلةٌ كبيرةٌ في حِسِّنا، وَوَعْيِنَا، وأرواحِنا، وله خصائصُ نهضتْ لحقِّه في لغتنا العربية؛ حيث ورد عن النحاة، والصرفيين كثيرٌ من الأحكام النحوية، والصرفية التي تبيِّن عظمته، وجلاله، وتكشفُ عن جماله، وكماله، وقدسيته، ومهابته، نذكر منها ما يأتي، وما سنذكره فيها إنما هو غَيْضٌ من فَيْضٍ، وقطرةٌ من بحر، وقليلٌ قليلٌ من كثير لهذا الاسم المعظَّم:(الله) الذي هو عَلَمٌ على واجدِ الوجود، والمستحِق أن يكون المعبودَ بحقٍّ على الإطلاق، وله على البشر حقُّ الإذعان، والعبادة، وحق الطاعة، والسجود، وحق الولاء له ـ جلَّ جلاله ـ والبراء من عبادة غيره، وتعظيم شأنه، والإقرار بكماله ـ جلَّ جلاله!.
ومن تلك الدراسةِ.. (الدراسةُ المعجميةُ) حيث إنَّ له جذرين لغويين، يكشفان عن معناه، ويوضحان جلال مبناه، هما مادتا:(أ ل هـ) و(و ل هـ)، فيكشف عنه في (أله) فالله هو المألوه، أي: المعبود بحق، وله على خلقه حق التأله والعبادة والتحليل والتحريم، ووضع التكاليف الشرعية لعباده، نفعًا لهم، ولاستقامة حياتهم، فالمألوه أي: المعبود، المستحق للطاعة والخضوع والخشوع لعظمته، وألوهيته.
وأما مادة:(و ل هـ) فمن التوله، وهو التحيُّرُ في مكامن عظمته، والتَّوَلُّهُ في مواضع قيوميته، فالإنسان عندما يتفكر في عظمة ربه، وتنوُّعها، وتعدُّدها يتحيَّر فيها، وفي اتساعها في كلِّ مجال يتخيَّله، وكلِّ عظمة يتصوَّرها، فالله أعلى، وأجل من كلِّ تصور، وعظمتُهُ فوق أن يَحُدَّها عقلٌ مخلوق، أو كائنٌ بشريٌّ ذو عقلٍ محدودٍ، ولا يمكن أن يتصور المخلوقُ خالقَه، والله ـ جلَّ جلاله ـ فوق كلِّ تصور، ودونَهُ كلُّ تخيل، مهما كان واسعًا شاملًا، تامًّا كاملًا، جامعًا، مانعًا.
والعجيب أنك عندما تفتح المعجم لتتعرف معنى اسم الجلالة تطالعك مادة (أ ل هـ) التي تبدا بالهمزة، وهي أول المعجم، وعندما تودعه تودعك مادة (و ل هـ)، فكأن ربك يصطحبك بَدْءًا، وانتهاءً، وهو من بركة المعاجم؛ حيث تبدأ بالمادة الأولى يُنَضِّرُ بها القارئُ وجهَه، وعندما يريد الرحيلَ تشيِّعه مادة (و ل هـ)، فهو معجميًّا في معية مولاه: بدءًا، وختامًا، أولًا وآخرًا، قَبْلًا وبَعْدًا، استقبالًا وتوديعًا.
ومن الناحية الصوتية، والتجويدية فإن أحرف الاسم الكريم هي الهمزة، واللام المشددة، والألف الجوفية، والهاء، فالهمزة هي أول أعضاء النطق، وكأنها تعترف، وتقر بعظمة ربها، ثم تأتي اللام التي يصفها أهلُ التجويد بأنها تخرجُ من جوانب الفم، أيْ: تمتلئ الفمُ بجلال الاسم، ويُقرُّ معترفًا بقيوميته، وعظمته، ثم تأتي الألف الجوفية التي تخرج من عُمْقِ النفس، والقلبِ، مقرةً معترفةً من حنايا الفؤاد، وطوايا الروح، ثم الهاء الحنجرية، أي أن الحرف يعترف، ويقر، يبدأ بالحنجرة، وينتهي بها، وما بينهما يملأ فاه بعظمة الاسم الجليل، وبَيْنَ ملءِ الفمِ والحنجرة همزةٌ وهاءٌ أول وآخر أعضاء النطق، ويمتلئ جوفه بالألف إقرارًا واعترافًا.
ففي قضية النطق نشعر بعظمة وكمال وجمال وجلال أحرفها وأن جميع الأحرف كأنها مُثِّلَتْ فيها بدءًا واتساعَ فمٍ، وانتهاءً، وكذا جوفًا، وقلبًا، وروحًا، وقالبًا.
كما أنها لا يخرج فيها اللسان، فالذي يُرِيدُ ذكرَ الله فلا يعرفه أحدٌ، ولو كان في بلد كافر، فإنه سينطقه دونَ أن يعلمَ مراقبُه عنه شيئًا، فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) خفية، داخل الفم، تلك التي كان يُقتَل مَنْ يقولُها بنبرةٍ عاليةٍ، جاءت خفيةً تقال داخل الفم، دون أن يفتحه؛ لئلا يتعرض صاحبها في بلد كافر لشيء من الأذى، والألم، والتعذيب، ولتحميَ من يريد أن يقولها كثيرًا، على سبيل الذِّكْرِ والتسبيح.
ومن الناحية النحوية نجد أن النحاة قد أفاضوا فيها، ونلخص هنا أهم ما قالوه فيها: إنّ اسم الجلالة لا يجوز تصغيره؛ لأن التصغير في الأصل للتحقير، وهذا الاسم موضوع للتعظيم والتفخيم، فلا يجوز لغة ولا اعتقادًا أن يصغر، فأسماء الله الحسنى وصفاته يحرم تصغيرها؛ لأن التصغير ينافي أصل وضعها، كما أنه لا يجوز النسب إليها، فلا يقال:(اللاهِيَّ)، والعياذ بالله، فلا (هي) تلحقها ياء النسب؛ لأنها اسم خاص لا يليق أن يتغير نطقه، ولا يتأثر بوضع ياء نسب مشددة، كما أنه لا يجوز تثنيته؛ لأن المثنى من شرطه أن يكون مفرده له مثيل، ونظير، ولا مثيل لله تعالى، ولا شبيه، ولا نظير، فانتفت قاعدة التثنية، واختلت شروطها، كما أن الله لا ثاني له، ولا يتجزأ فهو واحد أحد، والأحد ما لا يقبل التجزئة، فكيف يكون له ثان، أو نظير وشبيه، ومثيل؟!. كما أنه لا يُجمَع، ويجب أن يكون هذا اعتقاد يتغلغل في النفس، فالله واحد أحد لا يجمه اسمه الكريم؛ لاختلال شروط الجمع بأن يكون له نظير أو نظراء حتى يجوز جمعه؛ ومن ثم يحرم أن يجمعه الإنسان لانتفاء شروط الجمع فيه، كما أنه لا يؤنث، فالعرب لأنهم كانوا مشركين فكان عندهم (اللات والعزى)، وهي آلهة مؤنثة، أما ربنا ـ سبحانه ـ فلا يؤنث، ولا يمكن اعتقادا ولغة تأنيثه؛ ومن ثم فالخطأ الإملائي الذي نقرأه في كتابات بعضهم بوضع نقطتين فوق اللها، هكذا:(اللة) من قبيل الخطأ الإملائي، والخطأ الشرعي، ويجب أن يتعلم المخطئ صواب رسم اسم الجلالة بشكل إملائي صحيح.
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية