ماذا بعد طوفان الأقصى؟ وما تبعاته لتغيُّر شكل الشَّرق الأوسط جوسياسيًّا؟ هذا السُّؤال يتطلب الإجابة عَلَيْه مرور المنطقة بعواصف متباينة تُمثِّل زلزالًا تاريخيًّا له العديد من الارتدادات بالنِّسبة للدوَل العربيَّة وخصوصًا فلسطين المُحتلَّة. وقد بدأتْ بالفعل ملامح هذه التَّغيُّرات مع اقتراح الرَّئيس الأميركي دُونَالد ترامب بتهجير أهالي غزَّة إلى مصر والأردن بحجَّة إعادة الإعمار! وفي نفس الوقت تلميح دُونَالد ترامب أيضًا في أحَد لقاءاته بالصحفيِّين أنَّ مساحة الكيان المحتلِّ صغيرة، مِثل القلم الَّذي يُمسك به مقارنةً بحجْم طاولته الَّتي يجلس عَلَيْها، وأشار إلى أنَّه يَجِبُ أن تزيدَ هذه المساحة الخاصَّة بالكيان المحتلِّ. والمقصود هو إخلاء الضفَّة الغربيَّة من الفلسطينيِّين وتهجيرهم إلى الأردن، وتهجير أهالي غزَّة بحجَّة إعمارها، وجاء الردُّ المُعلَن من مصر والأردن هو رفض الاقتراح جملةً وتفصيلًا. وسباقًا للأحداث قامت مصر بإرسال المعدَّات الخاصَّة بإعادة الإعمار وفق خطَّة تستغرق 5 سنوات تشمل إنشاء العديد من المناطق السكنيَّة لأهالي غزَّة بتمويل عربي ودولي. إذًا نحن أمام مقترح ترامبي قُوبل بالرَّفض العربي، ويبقَى المغزى من هذا الاقتراح، هل كان جادًّا فيما قدَّمه من تهجير لأصحاب الأرض وهو لا يملك هذا الحقَّ؟ أم أنَّ المسألة كانت مُجرَّد جسّ نبض للمقاوَمة الفلسطينيَّة والدوَل العربيَّة؟ أم أنَّ هناك صفقة سياسيَّة منتظرة وخطَّة بديلة للإخلاء مقابل التَّنازل عن الاقتراح الترامبي لم يفصح عن الهدف المراد مِنْها بعد، وكأنَّ الاقتراح مُجرَّد تمهيد لهذه الصَّفقة؟ وسيكُونُ من نتائجها التَّأثير المباشر على تغيير منطقة الشَّرق الأوسط جيوسياسيًّا، بزيادة مساحة الأراضي المُحتلَّة من قِبل الكيان المحتلِّ بجزء من لبنان وجزء آخر من سوريا تمَّ احتلاله بالفعل في الفترة القصيرة الماضية، وترك غزَّة كما هي في الوقت الرَّاهن مع وضع شروط إخلائها من عناصر المقاوَمة وتسليم أسلحتهم؟ وهذا بطبيعة الحال وحسب الخطَّة، يُفسح المجال مستقبلًا للكيان المحتلِّ لِيفعلَ ما يشاء فيما بعد دُونَ مقاوَمة من أهالي غزَّة والضفَّة الغربيَّة، وحينها يسهل ضمُّهما. قد يكُونُ هذا هو التَّفسير المنطقي لاقتراح ترامب والصَّمت ـ ولو مؤقتًا ـ عن التَّهديد بفرض عقوبات بعد الرَّفض العربي. إنَّ أحداث المنطقة ومنذُ قَدِم دُونَالد ترامب إلى كرسي الرِّئاسة في البيت الأبيض تشهد تسارعًا يحاول العمل على جعل الكيان المحتلِّ يبدو منتصرًا. والحقيقة تقول إنَّ هذا الكيان لم يحقِّقْ أيًّا من أهدافه وما أصرَّتْ عَلَيْه المقاوَمة الفلسطينيَّة نفَّذته، وإنَّ مجيء ترامب كان هو طوق النَّجاة للكيان المحتلِّ لِينجوَ بجنوده من خسائر حدثتْ بالفعل على أرض المعركة. والأدهى من ذلك أنَّه بعد أن قام الكيان المحتلُّ بعمليَّاته الإرهابيَّة في تدمير كامل قِطاع غزَّة لا أحَد يتحدث في تحميله نفقات هذا الدَّمار الَّذي تسبَّب به، وهذا ما يُفسِّر إصرار المقاوَمة على مواقفها المُعلَنة منذُ وقت ما قَبل الاتِّفاق على وقف إطلاق النَّار وتبادل الأسرَى، وهي ما زالتْ تتحدَّى ترامب في هذا، الَّذي طالبَ سابقًا بتسليم كافَّة الأسرَى وخصوصًا الأميركان في الدُّفعة الماضية، ولم توافقِ المقاوَمة وقامتْ بتسليم ما هو متَّفق عَلَيْه فقط.
إنَّ طوفان الأقصى لم يفصح عن تأثير ردَّاته على المنطقة بشكلٍ كامل، وإن كانت هناك بعض الأحداث الَّتي شاهدناها، إلَّا أنَّ الكثير مِنْها لم يفصح عَنْه بعد، فكما كان سببًا في إحداث تغيُّر في المفهوم الغربي تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة عكس السرديَّة القديمة للكيان المحتلِّ الَّتي كانتْ تعتمد على أنَّها تعيش وسط أعداء ينوون لها الفناء وتدعى انها كيان مسالم ومظلوم ومقهور، وليست هي الدولة الَّتي شاهد العالَم جرائمها الَّتي تدلُّ على أنَّها كيان محتلٌّ وعنصري ودموي يسعى إلى تدمير الغير ويرتكب العديد من جرائم الحرب تُصنَّف ضِمْن حروب التَّطهير العِرقي والإبادة الجماعيَّة لأصحاب الأرض الحقيقيِّين، ممَّا أسفَر عن تغيُّرات في المفهوم الغربي أدَّى إلى اتِّخاذ سياسات مغايرة في بعض البُلدان الَّتي كان قادتها يؤيِّدُونَ الكيان. إنَّ الشَّرق الأوسط سيشهد المزيد من التَّغيُّرات، سواء الجيوسياسيَّة أو القياديَّة كنتيجة حتميَّة لتبعات طوفان الأقصى.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن »