السبت 22 فبراير 2025 م - 23 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

المرض الهولندي متلازمة الاسترخاء الاقتصادي

المرض الهولندي متلازمة الاسترخاء الاقتصادي
الأربعاء - 19 فبراير 2025 01:19 م

عادل سعد

160

تظلُّ فرضيَّة الاسترخاء وصولًا إلى الانكشاف واحدةً من صوَر الضَّعف الَّذي يُصيب بعض الاقتصادات، ومع أنَّ لهذه الظَّاهرة السَّلبيَّة محرِّكات عدَّة تتعلق بالإخفاقات الَّتي تُصيب التَّنمية ومِنْها التَّضخُّم، وتداعيات عدم انتظام أسعار العملة، وشدَّة المضاربات غير المحسوبة على أساس نتائج مضمونة، والأخطاء في حسابات الكلف الماليَّة الاستثماريَّة، وعدم التَّطابق بَيْنَ المدخلات والمخرجات، وتكرار التَّجريب التَّنموي دُونَ الوصول إلى سياقات تنمويَّة بثوابت منهجيَّة وازنة، ومخلَّفات الكوارث الطَّبيعيَّة، رغم كُلِّ هذه الظَّواهر إلَّا أنَّ هناك سببًا راجحًا عَلَيْها يتعلق بالاستقرار عِندَ تخوم الاقتصاد الرِّيعي فقط، أعني الاكتفاء بذلك دُونَ التَّوَجُّه إلى فتحِ اعتمادات تنمويَّة خارج هذا الصُّندوق. وهنا يبقَى الاقتصاد، أي اقتصادٍ، رهينة تلك الإيرادات الَّتي لا يُمكِن تدفُّقها بامال طموحة دائمة متناسقة، ذلك لأنَّها تأتي من سِلع تخضع لتجاذبات العَرض والطَّلب، وما يترتَّب على ذلك من انكماش أو فَوْرات طلَب. الحال الَّذي يُعرِّض الاقتصاد إلى التَّذبذب مع تكريس تضاربات متوالية من النَّماء الاقتصادي القلِق، وتوصف الاقتصادات الَّتي تكتفي بمدخولات الصُّندوق الريعي أنَّها مُصابة بمتلازمة المرض الهولندي. ينتسب هذا المَرض الاعتباري إلى مجموعة من الوقائع الميدانيَّة المرتبطة بوجود اقتصاد تَقُومُ أولويَّاته على تسديد الحاجات المعاشيَّة العامَّة والصَّرف على الخدمات من الريع المالي الَّذي توفِّره تلك السِّلع.

بتوضيح مُضاف، هناك تعريف مرادف اخر له يراه ظاهرة اقتصاديَّة تؤدِّي إلى تطوُّر سريع لقِطاع اقتصادي واحد، خصوصًا من الموارد الطَّبيعيَّة في حين تنكمش قِطاعات أخرى مع التَّميُّز عادةً بارتفاع في قِيمة العملة المحليَّة، الأمْر الَّذي يخلق اطمئنانًا زائفًا تحت طائلة منافع قد تنطفئ، أو بالحدِّ الأدنى تتراجع قِيمتها وعِندَها يحصل الانكشاف ويكُونُ من الصَّعب انتشال الاقتصاد المُصاب بهذه المتلازمة التَّنمويَّة الأحاديَّة.

لقَد استلَّتْ صحيفة الايكومنست البريطانيَّة هذا المصطلح في سبعينيَّات القرن الماضي من استنتاجات توصَّلتْ إِلَيْها خلال عدَّة دراسات مقارنة تناولتْ فيها خمول اقتصاد مملكة هولندا بعد الانحسار الاستعماري في العالَم، الأمْر الَّذي تسبَّب في استنزاف ثرواتها لسدِّ حاجاتها الاقتصاديَّة وليس اعتماد شروط التَّنمية المستدامة المتنوِّعة.

إنَّ العواقب السَّلبيَّة الَّتي تنشأ من جرَّاء الاستمرار بذات وتيرة الاسترخاء لا يُلغي بأيِّ حالٍ من الأحوال احتمال تفاقم مستحقَّات المستقبل.

لقَدْ أُصيبتْ مملكة هولندا البلد الأوروبي بهذا الدَّاء لفترةٍ من البحبوحة الماليَّة الَّتي توافرتْ لها جرَّاء التَّدفُّقات الماليَّة بالاستخدام المفتوح للموارد الطَّبيعيَّة المتوافرة لدَيْها مع إصابتها بخديعة الاطمئنان قياسًا بمعدَّلها السكَّاني القليل والشُّعور بنشوة من دُونَ أن تحسبَ للاحتمالات المتناقضة في هذا السِّياق الاقتصادي.

لقَدْ تمَّ إعمام هذا التَّوصيف على الدوَل الَّتي تتفاخر بقوَّتها الماليَّة الكبيرة دُونَ أن تدركَ أنَّ هذه القوَّة ستتسرَّب مِنْها حتمًا إذا لم تُحسن شروط التَّنمية المتوازنة، والسُّؤال هنا: ما هي هذه الشُّروط؟

وفق النُّسخة الَّتي أعدَّتها الأُمم المُتَّحدة وما زالت تحذر من إهمالها •الحدّ من عدم الانتباه إلى ما يُعرف بالتَّنمية المستدامة •التَّصدِّي للنَّزعات الاحتكاريَّة •معالجة الفقر متعدِّد الأبعاد •التَّنمية المتنوِّعة بالجسور الصناعيَّة والزراعيَّة والخدميَّة المتداخلة والمتكاملة •الاهتمام الأساسي بالبنى الأساسيَّة في متوالية لوجستيَّة تشمل كُلَّ المَرافق الحيويَّة •ربط المعرفة العلميَّة بالحاجات الاقتصاديَّة •إيجاد منصَّة لتوليد الوظائف تتطابق سياقاتها مع دَوْرة النُّمو الاقتصادي العام •الاهتمام بمتطلبات الجودة للانتظام في المنافسات على أساس القاعدة الذَّهبيَّة (الفرصة الأكبر للبضاعة الجيِّدة) •العمل بضرورات الشَّراكة واللُّجوء إلى المقاصَّات منعًا لتفاقُم الخصومات •الانتباه إلى المستجدَّات التقنيَّة والإفادة مِنْها •تعزيز دَوْر الأجهزة الرَّقابيَّة للحدِّ من تسلُّل الفساد والإهمال والاستخذاء •المحاسبة الموقعيَّة بتوقيتات معيَّنة إزاء أيِّ خلَلٍ يحصل.

لقَدِ انتبهتْ مملكة هولندا إلى مرَضِها هذا منذُ وقتٍ مبكر، وسارعتْ إلى إعادة هيكلة اقتصادها على أُسُس من التَّنوُّع المذهل، فهل يُمكِن للاقتصادات الَّتي ما زالتْ مُصابةً بمتلازمة هذا المرض أنْ تنجوَ مِنْه مِثلما نجَتْ مملكة هولندا..؟

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]