في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، تتعرض العديد من الشركات المساهمة العامة المدرجة في بورصة مسقط لضغوط مالية كبيرة، حيث تتكبد هذه الشركات خسائر متواصلة تؤثر بشكل مباشر على استثماراتها وأدائها الاقتصادي. ومن بين هذه الشركات، تبرز شركة الأسماك العمانية التي سجلت خسائر خلال العام المالي 2024 تقدر بنحو 3.03 مليون ريال عماني، على الرغم من محاولاتها المتواصلة لترشيد المصروفات.
تساؤل رئيسي يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا لا يتم إعادة هيكلة هذه الشركات بشكل فعّال، كما حدث مع بعض الشركات الحكومية في الفترة الماضية ولا تزال؟!، حيث قامت الحكومة بإعادة هيكلة بعض الشركات الحكومية الكبرى، مثل الطيران العماني ومطارات عُمان وغيرها من الشركات التي حققت فيها الحكومة نتائج ايجابية بعد أكثر من عام، تلك الشركات التي كانت تعاني من خسائر مستمرة لأسباب متعددة، وجهدت الحكومة إلى تحسين أدائها المالي وإعادة بناء استراتيجياتها التشغيلية لضمان استدامتها. إلا أن هذه المبادرات لم تشمل الشركات المساهمة العامة المدرجة في البورصة، وهو ما يثير تساؤلات حول دور الهيئات التنظيمية مثل بورصة مسقط وهيئة الخدمات المالية وجهاز الاستثمار في هذا المجال.
على الرغم من أن شركة الأسماك العمانية قلصت خسائرها بنسبة 13.78% خلال عام 2024، فإن الأرقام تشير إلى أن الشركة لا تزال في دائرة الخسارة. ففي العام 2023، سجلت الشركة خسائر تقدر بحوالي 3.51 مليون ريال عماني، مما يعكس ضعف استراتيجيات الإدارة وعدم قدرة الشركة على التغلب على التحديات الاقتصادية. وهذا النموذج يعكس حالة مشابهة للعديد من الشركات المساهمة العامة في السوق العماني التي تكبدت خسائر متواصلة.
من بين التحديات التي تواجه الشركات المساهمة العامة، تكمن عدة عوامل تؤثر على قدرتها على تحقيق الأرباح واستدامتها، منها: ارتفاع التكاليف التشغيلية، وإدارة غير فعّالة حيث تعاني بعض الشركات من ضعف في الإدارة والاستراتيجية، مما يؤدي إلى عدم القدرة على الابتكار والتكيف مع التغيرات السوقية.
نظرًا للآثار السلبية المستمرة لهذه الشركات على الاقتصاد العماني، يبدو أن هناك حاجة ملحة للتدخل من قبل الهيئات التنظيمية، مثل بورصة مسقط وهيئة الخدمات المالية، لإعادة هيكلة الشركات المساهمة العامة التي لا تزال تكبد خسائر مستمرة. ومن الأهمية بمكان أن تتخذ هذه الجهات خطوات فورية لمعالجة الوضع، خاصة مع تزايد أهمية تنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن النفط.
يمكن لهيئة الخدمات المالية التعاون مع شركات استشارية محايدة ومتخصصة لتحليل الوضع المالي والتشغيلي لهذه الشركات. يمكن لهذه الشركات الاستشارية تقديم حلول واقعية وقابلة للتنفيذ من خلال إعادة الهيكلة المالية والإدارية، بما في ذلك تحسين استراتيجيات التسويق والمبيعات، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتحديد مجالات التوسع الممكنة.
لقد أثبتت التجارب الحكومية السابقة مع الشركات الحكومية المعاد هيكلتها أنه من الممكن تحسين الأداء المالي لهذه الشركات من خلال إجراءات استراتيجية مدروسة. ومن ثم، فإن تبني هذا النموذج مع الشركات المساهمة العامة في بورصة مسقط سيكون خطوة استراتيجية ضرورية لتحسين الوضع المالي لهذه الشركات وضمان استدامتها.
وبالتالي في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الشركات المساهمة العامة، فإن التدخل السريع لإعادة هيكلتها يعد خطوة أساسية في سبيل دعم الاقتصاد الوطني. إن التنسيق بين الهيئات الحكومية والشركات الاستشارية المتخصصة كما اسلفنا يمكن أن يسهم بشكل كبير في تجاوز الشركات لهذه الصعوبات وتحقيق نتائج إيجابية تؤثر في النهاية على استقرار السوق وتحقيق نمو اقتصادي مستدام في سلطنةعُمان.
إن على الإعلام العماني دور مهم في إبراز أهمية إعادة هيكلة الشركات المتعثرة أو التي لا تحقق عوائد اقتصادية في الدولة سواء أكانت تلك الشركات حكومية أو مساهمة عامة، لأن رفع درجة الوعي الإعلامي له أهمية في تفهم المعنيين والعامة الى الجهود التي تبذلها الحكومة في تحقيق استدامة تلك الشركات لضمان استمراريتها وديمومتها وتأثيرها الايجابي على الاقتصاد الوطني، ولعل جهود الحكومة في الطيران العماني خير مثال ينظر إليه، ونرجو أن نجده في بقية الشركات بهدف رفع كفاءاتها.
محمود بن سعيد العوفي
كاتب صحفي اقتصادي