السبت 22 فبراير 2025 م - 23 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : مسار ثابت نحو التنمية المستدامة

الثلاثاء - 18 فبراير 2025 06:35 م

رأي الوطن

170

تُمثِّل معدَّلات النُّمو الاقتصادي مرآةً تعكس قوَّة السِّياسات الماليَّة ومدَى نجاح الاستراتيجيَّات التَّنمويَّة، وجاء تقرير البنك المركزي العُماني ليؤكِّدَ أنَّ سلطنة عُمان تُواصل مَسيرتها بثبات نَحْوَ تحقيق تنمية اقتصاديَّة مستدامة، رغم التَّحدِّيات الاقتصاديَّة العالَميَّة. فقَدْ سجَّل النَّاتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي نُموًّا بنسبة (1.9%) خلال النِّصف الأوَّل من عام 2024، مدفوعًا بارتفاع الأنشطة غير النِّفطيَّة بنسبة (3.6%)، وهذه المؤشِّرات تعكس تحوُّلات جوهريَّة في بنية الاقتصاد العُماني، حيث لم يَعُدِ النِّفط هو المُحرِّك الوحيد للنُّمو، بل باتتِ القِطاعات الإنتاجيَّة والخدميَّة تؤدِّي دَوْرًا محوريًّا في تشكيل مستقبل الاقتصاد الوطني.. ومع استمرار هذه الديناميكيَّة الإيجابيَّة، تُصبح سلطنة عُمان أكثر قدرة على تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد، قائم على التَّنويع والاستدامة، ويُعزِّز ذلك توجُّه الدَّولة نَحْوَ تطوير القِطاعات الواعدة مِثل السِّياحة، والصِّناعات التَّحويليَّة، والخدمات اللوجستيَّة، الَّتي توفِّر فرصًا جديدة للنُّمو وتُسهم في خلق وظائف مستدامة.

نجاح الحكومة في تحقيق هذا النُّمو لم يكُنْ وليدَ الصُّدفة، بل هو نتيجة مباشرة لإصلاحات ماليَّة دقيقة ومتوازنة، فقَدْ تبنَّتِ السَّلطنة نهجًا يعتمد على ترشيد الإنفاق، وخفض الدَّيْن العامِّ، وتعزيز الإيرادات غير النِّفطيَّة، ما ساعد في تحسين التَّصنيف الائتماني وزيادة ثقة المستثمرين الدوليِّين في الاقتصاد العُماني، وهذا التَّوَجُّه لم يكُنْ مُجرَّد استجابة لضغوط ماليَّة، بل هو جزء من رؤية اقتصاديَّة طويلة الأمد تهدف إلى بناء اقتصاد أكثر قدرة على مواجهة الأزمات، وأقلّ تأثرًا بتقلُّبات أسعار النِّفط العالَميَّة.. ومن هُنَا برزتْ أهميَّة الاستثمار في المشاريع الاستراتيجيَّة الَّتي تُسهم في تعزيز القِيمة المضافة، مِثل مشاريع الطَّاقة المُتجدِّدة والبنية الأساسيَّة الحديثة، حيث أصبحتِ السَّلطنةُ بيئةً جاذبة لرؤوس الأموال الباحثة عن فرص مستدامة للنُّمو، كما أنَّ دعم الابتكار والتكنولوجيا باتَ عنصرًا محوريًّا في تعزيز التَّنافسيَّة الاقتصاديَّة، ممَّا يفتحُ المجال أمام الشَّركات النَّاشئة والمشاريع الرِّياديَّة لتحقيقِ نجاحات على المستويَيْنِ المحلِّي والدّولي.

الاستقرار النَّقدي كان أيضًا عاملًا رئيسًا في تعزيز الأداء الاقتصادي، حيثُ بلغتِ الاحتياطات الأجنبيَّة للبنك المركزي العُماني (7.5) مليار ريال عُماني، وهي كافية لتغطية (6.6) شهر من الواردات السِّلعيَّة، فهذه المستويات تعكس متانة السِّياسة النَّقديَّة للسَّلطنة، والَّتي لم تقتصرْ فقط على الحفاظ على استقرار سعر الصَّرف، بل امتدَّتْ لدعمِ بيئةٍ استثماريَّة آمِنة وجاذبة، كما أنَّ التَّوَسُّع في دعم المشاريع الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة، وتسهيل الوصول إلى التَّمويل، يُعزِّز دَوْر القِطاع الخاصِّ في دفعِ عجَلة التَّنمية، ما يرسِّخ الأُسُس اللازمة لتحويلِ النُّمو الاقتصادي من مُجرَّد أرقام إيجابيَّة إلى واقع ملموس يَشعر به المواطنون.. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ تطوير النِّظام المصرفي وتوفير تسهيلات ائتمانيَّة للشَّركات النَّاشئة يُسهم في تحفيز الابتكار ورفع كفاءة الأعمال، ما يسرِّع من عمليَّة التَّنويع الاقتصادي ويَضْمن استدامة النُّمو في المستقبل. لكن أهمّ ما يُميِّز النَّهج الاقتصادي العُماني هو إدراكه العميق بأنَّ التَّنمية الحقيقيَّة لا تقتصر على المؤشِّرات الاقتصاديَّة، بل تشمل أيضًا تحسين جودة الحياة وضمان الاستقرار الاجتماعي. وهنا يأتي برنامج شبكة الحماية الاجتماعيَّة كدليلٍ واضح على حرص سلطنة عُمان على تحقيق التَّوازن بَيْنَ الإصلاحات الاقتصاديَّة ومتطلَّبات العدالة الاجتماعيَّة، بما يَضْمن ألَّا يكُونَ النُّمو على حساب الفئات الأكثر احتياجًا، فالحكومة تدرك أنَّ النَّجاح الاقتصادي لا يُقاس فقط بالنُّمو الرَّقمي، بل بقدرة الدَّولة على توفير بيئة اقتصاديَّة تُعزِّز رفاهيَّة المواطن، وتَضْمن له فرصًا عادلة للتَّطوُّر والمشاركة في مَسيرة التَّنمية، ومع استمرار هذه الجهود، تتَّجه عُمان بثقةٍ نَحْوَ مستقبل اقتصادي أكثر إشراقًا، حيث يُصبح الاقتصاد أكثر تنوُّعًا، وأكثر قدرة على خلقِ فرصِ عملٍ مستدامة، وأقلّ اعتمادًا على العوامل الخارجيَّة المتقلِّبة، فهذه ليسَتْ مُجرَّد مرحلة من النُّمو، بل هي بداية لحقبةٍ جديدة من الازدهار، تضع السَّلطنة على خريطة الاقتصادات الأكثر استقرارًا ونُموًّا في المنطقة.