السبت 22 فبراير 2025 م - 23 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

الرئيس ترامب وخلط الأوراق فـي الشرق الأوسط

الرئيس ترامب وخلط الأوراق فـي الشرق الأوسط
الأحد - 16 فبراير 2025 02:05 م

محمد بن سعيد الفطيسي

40

عندما نجح الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب في الوصول إلى سدَّة الحُكم للمرَّة الثَّانية بالرَّغم ممَّا أُثير حَوْلَه من جدلٍ داخلي وخارجي في فترة رئاسته الأولى، كان الأمْر مستغربًا بعض الشيء لدَى بعض المراقبِينَ، وليس وجْه الاستغراب في الوصول إلى البيت الأبيض في حدِّ ذاته، فالجميع يعلَمُ أنَّ الوصول إلى الرِّئاسة الأميركيَّة يحتاج إلى طَرْق بعض الأبواب الخاصَّة، والرَّئيس ترامب من بَيْنِ الأشخاص الَّذين يملكون مفاتيح تلك الأبواب.

فهل فعلًا الرَّأي العامُّ الأميركي (النَّاخب، ودافع الضَّرائب) يثق ويؤمن بمقدرة هذا الرَّجُل في تحقيق أهداف وتوجُّهات وسياسات الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وشَعبها؟ وهل هناك تنازلات وتعهدات قطعها الرَّئيس الأميركي لمؤسَّسات الضَّغط الأميركي وعلى رأسها منظَّمة (إيباك) ليتمكَّن من عبور عتبة أبواب البيت الأبيض؟

طبعًا حينها كان الأغلب من المراقبِينَ والباحثين لدَيْه الكثير من الأفكار والآراء الَّتي تساعد على الإجابة عن تلك الأسئلة استنادًا إلى التَّاريخ الشَّخصي للرَّئيس ترامب، ومن خلال العودة إلى البيئة السياسيَّة والأمنيَّة الَّتي يُمكِن الرُّجوع إِلَيْها من الفترة الرئاسيَّة الأولى. وبالفعل لم تكُنِ القرارات والسياسات الَّتي تعهد ترامب بتنفيذها والتَّوقيع عَلَيْها في اليوم الأوَّل بغريبة وعلى رأسها إغلاق الحدود بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والمكسيك، والعمل على ما يقول ترامب إنَّه سيكُونُ «أكبر برنامج ترحيل في التَّاريخ الأميركي»، وفرض الرُّسوم الجمركيَّة على البضائع القادمة من المكسيك وكندا والصين على سبيل المثال لا الحصر.

وبكُلِّ تأكيد لم يكُنِ العالَم العربي خصوصًا والشَّرق الأوسط على وجْه العموم ببعيد عن توجُّهات وسياسات الفكر القائم على الصَّدمة والرُّعب (ترامبو)، ولكن ما هو مستغرب أن يصلَ الأمْر بالرَّئيس ترامب إلى الإعلان عن أخطر فكرة تاريخيَّة لِنَشرِ الفوضى في الشَّرق الأوسط، أقصد خطَّة السَّيطرة على قِطاع غزَّة الفلسطينيَّة، وتهجير أبناء ذلك القِطاع بالبحث لهم عن وطن آخر.

حيث «كشف الرَّئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء 4 فبراير 2025 بتوقيت واشنطن، عن خطَّة الولايات المُتَّحدة للسَّيطرة على قِطاع غزَّة الَّذي دمَّرته حرب الإبادة والإرهاب «الإسرائيليَّة»، وقال إنَّه يتطلع إلى أن تكُونَ لأميركا «ملكيَّة طويلة الأمد» في القِطاع، وجاء تصريح ترامب بعد وقت قصير من اقتراحه إعادة توطين دائم لسكَّان قِطاع غزَّة في دوَل أخرى»، كما قال إنَّ الفلسطينيِّين لن يكُونَ لهم حقُّ العودة إلى قِطاع غزَّة، بموجب خطَّته، الَّتي تقضي بـ»استيلاء» الولايات المُتَّحدة على القِطاع الفلسطيني.

مع الوقت اتَّضحتِ الخطَّة (ترامبو) وكشف الاستغراب وما هي الأسباب المستهدفة من ورائها، ومَن يَقُودُ هذه الحملة الفوضويَّة لخلط الأوراق السَّوداء في الشَّرق الأوسط، وذلك بعد تصريح رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو حَوْلَ إقامة دَولة فلسطينيَّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وبذلك يتأكد أنَّ وراء تصريحات الرَّئيس الأميركي مؤسَّسات الضَّغط الصهيونيَّة وعلى رأسها منظَّمة (إيباك)، والوعود الَّتي قطعَها الرَّئيس دونالد ترامب لهذه المنظَّمة والصهيونيَّة العالَميَّة حتَّى يصلَ إلى البيت الأبيض، وما يستدعي ذلك بكُلِّ تأكيد من أفكار شبيهة ورُبَّما تكُونُ أكثر سوداويَّة وفوضويَّة ولعلَّها تكُونُ سببًا في الدخول إلى فوضى وعُنف في الشَّرق الأوسط. ورُبَّما من جانب آخر تكُونُ وسيلة للابتزاز المالي المعتاد من قِبل البيت الأبيض في عهد ترامب لبعض الدوَل العربيَّة عَبْرَ التَّهديد بمِثل هذه الأفكار المخالفة للقانون الدّولي ثمَّ التَّراجع عَنْها مقابل دفع ملايين الدولارات لتمويل ميزانيَّة الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة.

على العموم كُلُّ ما سبَق يدفع باتِّجاه مساعي الرَّئيس الأميركي ترامب إلى نَشْرِ الفوضى وخلط الأوراق السياسيَّة والأمنيَّة في الشَّرق الأوسط، وإن كان من كلمة يُمكِن أن تقالَ للعالَم العربي في هذا الوقت فهي أنَّ الدوَل العربيَّة إن لم تقفْ في مواجهة مخطَّطات الرَّئيس الأميركي بحزمٍ وبتعاون تامٍّ مع بعضها البعض، فإنِّي على يقين أنَّها ستجد نَفْسَها خلال سنوات قليلة وهي ترزح تحت وطأة الفقر والفوضى الأمنيَّة، بل والخوف من فكرة فصل بعض أجزائها لإعادة توطين بعض المهاجرين والنَّازحين في بعض الدوَل العربيَّة وخارج القُطر العربي، وليس من المستبعد أن تتدخلَ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وقتها لتصويبِ بعض الأحداث والسُّلوكيَّات بالدَّاخل العربي.

ختامًا: أمام العرب خصوصًا (4) أعوام من القرارات والتوجُّهات الأميركيَّة الَّتي تخدم الصهيونيَّة العالَميَّة وتسعى لتعزيز مكانة «إسرائيل» في منطقة الشَّرق الأوسط، بالإضافة إلى بثِّ الفوضى والرُّعب السِّياسي، ولا أستبعد أبدًا السَّير وراء مخطَّطات أكثر خطورةً مِثل نَشْرِ الإرهاب العابر للحدود الوطنيَّة لتعزيزِ مخاوف الدوَل العربيَّة وإيقاف عجلة التَّنمية والتقدُّم في بعضها.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @