مع أن التقنية الحديثة أسهمت بشكل كبير في تسهيل الحصول على متطلبات واحتياجات المجتمعات البشرية سريعة النمو، لكي تواكب هذه السرعة زيادة أعداد البشر في كل جزء من الثانية، إلا أنها في المقابل أثرت وبشكل كبير أيضًا في العديد من مفردات الحياة والطرق والأساليب، التي اعتادت عليها المجتمعات، سواء تلك المتعلقة بصحة الإنسان أو عاداته او نمطه المعيشي والاجتماعي. فعلى سبيل المثال، إذا ما ركزنا على جزئية تحويل الصحافة إلى العالم الافتراضي من خلال رقمنتها بدلًا من ورقنتها، سنلاحظ تدفقًا هائلًا للمعلومة اللحظية إلَّا أنها لا تمثل ذلك الشعور لدى البعض عند ملامسة الجانب الورقي، ليس فقط الشعور وإنما إيجابيات القراءة الأقل ضررًا والأكثر ترسيخًا للجمل، فالصحيفة أو الكتاب ينقل من فقرة إلى فقرة أو قصة إلى قصة محددة بمساحة وعدد صفحات محددة، إلَّا أن الرقمية تعيش من خلالها عالم افتراضيًّا مليئًا بأطنان من المعلومات يفقدك التركيز على شيء معين.
فمن المؤسف حقًّا بعد عقود من الثراء المعرفي والمواكبة المستمرة ليوميات المجتمع، قلاع صحفية على مستوى العالم أقفلت والأخرى تراجعت وغيرها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وسط حيرة جيل واكب هذه القلاع لايزال يمثل نسبة من المجتمع ولم يجد من يسهم في المحافظة على ديمومة ذلك، ونحن في سلطنة عُمان مثل باقي العالم لدينا قلاع صحفية لم تجد من يقف إلى جانبها للمحافظة على استمرارها ولتجد نفسها وحيدة تصارع من أجل البقاء حتى وإن كان بأقل الأدوات رغم المعاناة، حفاظًا على تاريخ سلطنة عُمان الصحفي والإعلامي والثقافي، وقِسْ على ذلك ليس الصحف اليومية فحسب، وإنما كذلك باقي الوسائل الصحفية الأخرى مثل المجلات التي تحولت كلها إلى إلكترونية.
إننا مع التحول الصحفي الإلكتروني لإشباع نهم الجيل الحالي والأجيال القادمة، إلَّا أن في المقابل يجب أن لا نترك الجانب الورقي، سواء كتب أو صحف يصارع من أجل البقاء، ونحن قادرون على تحقيق التوازن في ذلك، على الأقل خلال العقدين القادمين، فهي يجب أن تبقى كما كانت صحافة تتابع عمل السُّلطات الثلاث باستخدامها الورقنة والرقمنة، وعدم ترك المنصات عبر شبكات التواصل الاجتماعي غير المهنية تمارس دور هذه المؤسسات الصحفية الرئيسية.
طالب بن سيف الضباري