كان جزء من المشاريع منذُ أيَّام النَّكبة عام 1948 من جانب دوَل الغرب الموجِّهة للدوَل العربيَّة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيِّين، وأنَّ مشروعًا أُحيل وقتها للجهات الدّوليَّة يقضي بطلب الموافقة على الانضمام إلى صندوق طرحَتْه أميركا لإنعاش أوروبا بعد الحرب العالَميَّة الثَّانية وأُطلق عَلَيْه مشروع جورج مارشال، ومساعدة الفلسطينيِّين بعد «تهجيرهم» بشرط أن توافقَ الدوَل العربيَّة وممثِّلو الفلسطينيِّين على تهجير الشَّعب الفلسطيني إلى مواقع في دوَل عربيَّة، مِنْها مصر والأردن وسوريا، حدَّدها المشروع باعتبارها تتَّسع لهم والمجال مفتوح أمامها من زاوية المساحات الأرضيَّة.
رفضَتْه الدوَل العربيَّة وقتَها، وترفضُه الآن كما يتمُّ طرحُه بعد العدوان على القِطاع. لكن الآن وجدتْ دَولة الاحتلال ومعها إدارة الرَّئيس دونالد ترامب المجال لطرحِه بالنِّسبة لقِطاع غزَّة، من خلال تهجير المواطنين الغزيِّين أصحاب الوطن الأصليِّين، وبناء (ريفييرا) أو (سنغافورة).
حسابات البيدر لم ولن تكُونَ كما يريدون، فالشَّعب الفلسطيني في قِطاع غزَّة، يخرج هذه المرَّة من تحت الرُّكام يتحرك كُلُّه في وقتٍ واحد، يرفض أوامر الاحتلال العسكري والتَّهديد بالإبادة. حرق خيامه فلن يَعُودَ إِلَيْها فركام بيوته أفضل لسكنِه وسكن أولاده. شَعب وكأنَّه يُبعث من جديد.
والآن كأنَّ الأمورَ تتجدَّد ولو بصورةٍ ما عَبْرَ مشروع ساقطٍ سلفًا عنوانه «مشروع الريفييرا» في غزَّة، وكأنَّه استكمال لتلك الرِّسالة الَّتي بدأها الجنرال جورج مارشال، خصوصًا مع إطلاق الرَّئيس ترامب على غزَّة (بعد تعريب الكلمة) لقب «خربة»، وأنَّ الـ»خربة» تنتظر مَن يَبني فوقها مشروعًا سياحيًّا متكاملًا، ولكن أوَّلًا يَجِبُ «إخراج الغزيِّين إلى أماكن آمِنة مثل الأردن وألبانيا أو.. أو.. أو..، وإلَّا فكيف يُمكِن العمل في مِثل هذه الحلقة الكُبرى والغزيُّون من حَوْلِكم»..؟
إذًا، اقتراحات الجنون من قِبل الرَّئيس ترامب بإقامة «ريفييرا» ترامبيَّة في غزَّة تقتضي: أوَّلًا، إفراغها من أصحابها ومواطنيها الأصليِّين عَبْرَ القرون، ثمَّ وضع الخرائط الهندسيَّة الملائمة لأذواق الزَّبائن الجُدد على حساب المواطنين الغزاويِّين بعد قذفهم إلى شتات المعمورة على امتدادها. الرَّئيس دونالد ترامب، وهو مَن يريد ضمَّ كندا للولايات المُتَّحدة، وكذلك (جرينلاند)، واستعادة قناة بنما، وإعادة تسمية خليج المكسيك، أي تغيير خرائط العالَم لعددٍ من المنظومات السياسيَّة دفعة واحدة وكأنَّ العالَم مطيَّة تحت يدَيْه...!
كما أنَّه يطرح الآن كلامًا ومشاريع متناقضة أصلًا غير القابلة للتَّنفيذ، والَّتي تتطلب حال محاولات فرضها، إرسال قوَّات تُوازي ثلاثة أضعاف ما تمَّ إرساله لإطاحة نظام صدام حسين، عدا عن المال، وفق بعض المصادر.
لا بُدَّ عربيًّا وإسلاميًّا وأُمميًّا، رفْض جميع الأفكار المجنونة الَّتي يتمُّ طرحها بضرورة الشُّروع بخطَّة اليوم التَّالي وطنيًّا فلسطينيًّا وتحت إرادة المُجتمع الدّولي بتثبيت وقف إطلاق النَّار بشكلٍ مُستديم، وإعادة الإعمار في القِطاع من قِبل المُجتمع الدّولي والدوَل المانحة، وكُلُّ ذلك تحت قيادة الإطار الوطني الفلسطيني المعني صاحبة الولاية الجغرافيَّة على كامل أراضي دَولة فلسطين وبمشاركة الجميع.
وبالختام، ليس الفلسطينيون بحاجةٍ لمشروع مارشال جديد لتهجيرِهم حتَّى لو جاء بالتّرياق لهم. المطلوب وقفُ العدوان، وبناء دَولة فلسطين وفقًا لإرادة الشَّرعيَّة العالَم الدّوليَّة بأسْرِها.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك