الجمعة 16 مايو 2025 م - 18 ذو القعدة 1446 هـ
أخبار عاجلة

الفن الصخري فـي سلطنة عمان

الفن الصخري فـي سلطنة عمان
السبت - 08 فبراير 2025 04:17 م
10

شواهد رمزية تكشف تكيف الإنسان مع محيطه وثقافته المجتمعية

مسقط ـ العُمانية: تشير المصادر البحثية المتعلقة بالجوانب التاريخية إلى أن الفن الصخري في سلطنة عمان ينتشر في مناطق جغرافية متعددة، إلا أنه يتركز في بشكل أكبر في المناطق الجبلية، إذ يمتد من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبا، من خلال مدرستين مختلفتين، تقع الأولى في جبال حجر عُمان التي تمتد من رؤوس الجبال في مسندم إلى جبل قهوان في أقصى الشرق من جبال الحجر في جعلان، بينما المدرسة الثانية تقع في سلسلة جبال ظفار. وهذا ما أكد عليه عدد من الباحثين المختصين في الشأن التاريخي، إذ أن فالمدرسة الشمالية يتم النقش فيها بطريقة الطرق أو الحفر على الصخر بينما المدرسة الجنوبية في النقش تمت برسمة الخط الواحد باستخدام عملية التلوين.

في هذا السياق يشير الباحث الدكتور سيف بن يوسف الأغبري إن هناك تشابه في النقوش الصخرية في بعض الأحيان بين الشمال والجنوب كما في نقش جعلان الذي اشتمل على حروف من اللغة العربية الجنوبية وفي سمد الشأن أيضا عثر على حروف من خط المسند الجنوبي. ويوضح قائلا: مثال على ذلك عثر الدكتورناصر الجهوري على نقش في وادي الجفر في جبل قهوان شبيه بنقش شنة، وما تشابه كتابات ظفار القديمة مع نقش شَنَة وكذلك نقش وادي الجفر في جعلان إلا دليل على أن هناك أبجدية عربية قديمة كانت حاضرة قبل العربية الحالية التي ظهرت بظهور الإسلام.

ووضح الأغبري إن الإنسان القديم حاول نقل تفاصيل حياته بكل دِقة إلى المتلقي من خلال الرسوم الصخرية، إذ تظهر الأسلحة الحربية (السيوف والرماح والدروع) بشكل واضح في رسوماته الصخرية. كذلك ظهرت (المصائد) في بعض الرسوم والتي تستعمل لصيد الحيوانات البرية، كما وجدت رسوم للأسلحة الحربية في مواقع مختلفة في شبه الجزيرة العربية، إذ ظهرت الأسلحة في رسوم ملونة للمبارزة بين اثنين يمتطيان الخيول ويحملان الرماح وظهرت السيوف والتروس في الرسوم الصخرية في وادي حضرموت باليمن. وأشار الأغبري إلى تقنيات تنفيذ الفن الصخري، والتي أوضحت حاجة الإنسان القديم في التعبير عن مشاعره وتوثيق لحظاته، قال: عَمِد إلى الحجارة لينقش ويرسم عليها لوحاتها، مستعيناً بأدوات صلبة ومن تلك التقنيات، الطَرق، وهي ضربات متتالية ومتجاورة بواسطة طرف رأس الحَجَر الَّلب، ونظراً لسهولة هذه الطريقة نلاحظ انتشارها، ويبرز الخلاف في الجوانب الفردية للرسامين إذ نجد بعض الرسوم طُرقت بطريقة احترافية مراعية أدق التفاصيل، وبعضها الآخر يفتقر لهذا الحس الفني. بالإضافة إلى الحك، وهي عملية دَعْك سَطح الصَّخر الخشن بحّجَر صَلب أو بآلة حديدية كالمسمار أو السكين، وقد استعملت هذه الطريقة في عدة مواقع في عُمان. أضف إلى ذلك التنقيط (الرسم النقطي): ومن المسمى يتضح أن المصطلح يشير إلى استعمال النقط في عملية الرسم، وفي هذه التقنية يتم رسم خط سير الحروف، بحيث تظهر نقط منفصلة متجاورة بواسطة أداة معدنية صلبة وحادة»، وعملية الحز وهو أحد أنواع الرسم، وما يميزه عن نظيره أن «خطوطه مستمرة، ويكون خفيفاً فلا يغور في السطح الذي يتم حَزَّه. والكشط، فهو يمارس بواسطة أداة قطع، كحافة نصل أو شظية. والتلوين، حيث إن الرسوم الملونة متنوعة، وانطلاقا من مضمونها يبدو أن الرسوم الأكثر قدما يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، واستمرت حتى الفترات الأكثر حداثة، وذلك لأن البدو لا زالوا يرسمون بعض الرموز والعلامات باستخدام مادة الجير، أو المغرة (الصلصال الأصفر) أو الفحم. ويتحدث الباحث في التاريخ العُماني الدكتور حبيب بن مرهون الهادي، عن الأدوار التي يقدمها الفن الصخري من خلال المواقع في تقديم رؤية عن أنماط الحياة القديمة في عُمان، ويقول: أن شواهد الفن الصخري هي واقع رمزي تكشف تكيّف الإنسان في عُمان مع محيطه وثقافته المجتمعية. تتجسد أهمية التأريخ الصخري في رصد العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وهناك من يشير إلى أن معظم فن العصر الحجري ذو مغزى سِحري جاء من عقيدة دينية، فالفن الصخري بلا شك كان مرتبطا بالعقيدة والدين وذلك لاهتمام تلك المجتمعات به خاصة الطبقة الحاكمة والطبقة الدينية، ومن أهم الصعوبات التي تواجهنا في محاولة التعرف على دلالات ومعاني الفن الصخري أن بعض رسامي العصر القديم كانوا بخلاء جدا في الرسم والتمثيل لدرجة أنهم تركوا أشكالا شديدة النمطية، والتجريد، وذات أبعاد هندسية غامضة.وعلى الرغم من أن فن الرسم قيمة جمالية وإبداع، فإنه قد يبرز العلاقة بني مكونات المشهد ويوضحها، ومن ناحية أخرى، يجسم التفاعل بني المكونات، ويطرح رؤية مرئية لم تلتقطها العين المجردة في الواقع والطبيعة، وفن الرسم يقدم القيمة البيئية، والجغرافية، والمساحية مجسمة. فالفن في عمومياته ما هو إلا منظار لواقع المكان والزمن».

ويوضح الهادي: وفي العشرينيات من القرن الماضي أشار الرحالة وعلماء الآثار إلى وجود الأبجدية العربية القديمة في مناطق مختلفة بسلطنة عمان إلا أنهم وجدوا حروف جديدة لم توجد في مناطق أخرى من الجزيرة العربية وهي ما عرفت لاحقا بالأبجدية العمانية أقدمها تلك التي عثرت عليها البعثة الفرنسية الإيطالية عام 1985م في رأس الجنز بولاية صور وهي عبارة عن حجرين صغيرين من الحجر الصابوني، موضحا أن اللغة العربية الحالية فيها 28 صوتا متمثلة في 28 حرفا، وأن الأبجدية الثمودية تمثل العدد ذاته28 صوتا وأيضا خط المسند الجنوبي؛ بينما الأبجدية العمانية يوجد فيها 33 حرفا. الالتقاء الكبير بين حروف موقع شنة وبين الكتابات العربية الجنوبية القديمة، إلّا أن هناك الكثير منها يتوافق مع الفينيقية والسينائية والثمودية. كما يتحدث سليمان بن صالح الراشدي وهو باحث في العلوم الوثائقية إذ يشير إلى تفاعل الإنسان في عُمان قديما مع محيطه الطبيعي الاجتماعي والثقافي من خلال هذا الفن: استطاع الإنسان في عُمان التأقلم مع الوضع السائد خاصة فيما يتعلق بالطقس الحار وعمل جاهدا على بناء حضارة على أرضه، وما هذه الآثار إلا شاهدا على ذلك العطاء منذ العصور القديمة وإلى اليوم، فبنى المدرجات الجبلية وشق الأفلاج والآبار ليستقر في الواحات الزراعية والسهول الواسعة واتجه إلى البحار متاجرا وصائدا. وتطرق الراشدي إلى أهمية استدامة الفن الصخري، نظرا لما تتضمنه المواقع التاريخية من لوحات صخرية لرسومات ونقوش ومنحوتات وكتابات في الملاجئ الصخرية والكهوف والسلاسل الجبيلية ومجاري الأودية وغيرها، ممثلة تراثا روحيا وثقافيا ومعرفيا غنيا للحضارة البشرية بشكل عام. بالرغم من أهمية الفن الصخري إلا أن كثيرا من مواقعه تتعرض إلى مخاطر تهدد بقاءه واستمراره، سواء كانت تلك المهددات والمخاطر طبيعية كعمليات التعرية والتجوية والاتربة وجريان المياه وتأثر العواصف والأعاصير وغيرها، أو مهددات بشرية كإقامة المشاريع الإنشائية والتوسع في المجمعات السكانية. ويوضح قوله: يمكننا أن نورد مجموعة من المبادئ لتمثل أساس استدامة الفن الصخري، والتي من أهمها: الاهتمام بالفن الصخري باعتباره قيمة تراثية مهمة لجميع فئات المجتمع، وتخصيص موارد كافية، وإيجاد منظومة متكاملة لإدارة مواقع الفن الصخري، وحماية جميع مكوناته، مع النظر إلى الفن الصخري باعتباره جزءا من المشهد الثقافي للمجتمع ومكملا للمناظر الطبيعية المهمة، واعتبار الفن الصخري من الكنوز الثقافية التي تتطلب ايجاد قانون ينظم عملية التعامل معه وصونه والحقوق والممارسات الثقافية التي ترتبط به، وإشراك المجتمع المحلي وتمكينه في إدارة الفن الصخري والحفاظ عليه وتوعيته بما يؤدي إلى استدامته.

وأشار إلى أن للفن الصخري بسلطنة عُمان بكل مكوناته من رسومات ونقوش وكتابات عربية قديمة وحديثة ورموز وحروف دوراَ ملموساَ في صناعة السياحة التراثية، كما أن انتشار مقاطع وصور للفن الصخري بوسائل التواصل الاجتماعي أعطى فرصة لبروزه ودوره في الجذب السياحي فيما يمكن تسميته بالسياحة التراثية.

الفن الصخري فـي سلطنة عمان
الفن الصخري فـي سلطنة عمان