•لم أُسقطْ من برنامج اهتماماتي قضيَّة الإصحاح البيئي لذلك أشعَرني بفرحٍ غامرٍ المشروع البيئي الَّذي أُعلن عنه في الجزائر قبل عدَّة أيَّام وغطَّت وقائعه تقارير إخباريَّة مفادها توجُّه الجزائريين لإنبات (420) مليون شجرة على مساحة واسعة من الجنوب والوسط الجزائري في عمليَّة تشجير هي الأولى من نَوعها بعدد الشتلات لتغطية البَر الصحراوي في هذا البلد العربي الإفريقي.
•ولعلَّ ما عزَّز الفرح لديَّ في هذا الشَّأن أن شركة (سوناطراك) للنفط المؤسَّسة الجزائريَّة المركزيَّة الَّتي تتولى الكشف والإنتاج والتسويق النفطي هي الَّتي تموِّل هذا المشروع ماليًّا وتديره مع عدد من المنشات البيئيَّة، الأمر الَّذي يعكس إدراكًا مهمًّا للمسؤوليَّة التعويضيَّة بفعل ما يسبب الوقود الأحفوري من تلوُّثٍ عامٍّ.
•لقد تواصلت بمثابرة مع كلِّ ما يتعلق بالتحريش النباتي منذُ نصف قرن ولكنَّ التواصل الأكبر حصل لي بعد اطلاعي على التقرير الَّذي أصدرته الأُمم المُتَّحدة بعنوان (مصيرنا المشترك) الَّذي أعدَّه ثمانون خبيرًا بيئيًّا متمرسًا عن المخاطر المهددة للحياة البشريَّة نتيجة العمران الحضري الَّذي يقوم على قضم المزيد من المراعي والأراضي الزراعيَّة وتبعات الاحتباس الحراري.
•كما توافرت لديَّ المزيد من المعلومات الموثَّقة عن الكارثة البيئيَّة الَّتي يتعرض لها حوض غابات الأمازون المعروفة دوليًّا أنَّها (رئة العالَم)، وإذا كنتُ قد تخادمتُ ضِمن العديد من النشاطات الثقافيَّة الميدانيَّة لحماية البيئة النباتيَّة العراقيَّة فقد ظل عبئًا شديدًا يؤلمني يتعلق بتوالد فرص عمل للبعض من خلال قطع الأشجار.
الطريف المُر في ذلك، هناك مَنْ يُعلن عن اختصاصه في قطع الأشجار والتخلص منها عبر منصَّات هاتفيَّة لتأمين الاتصال بهم، يتحدثون عن قلع من الجذور وقطع معيَّن دون أن ترفَّ لهم جفون للذي يرتكبون من انتهاكات لحقوق الأشجار.
•إنَّ السؤال الَّذي ما زال يلازمني: أين نحن عربيًّا من الكارثة الَّتي أصابت المناطق المخضرَّة؟ وما البرامج العربيَّة المتوافرة لتعويض ما فقدنا من مساحات خضراء؟
•أنا هنا لا أنصِّب نفسي قاضيًا للمحاسبة، ولكني أملكُ معطيات تخولني للتحدث عن هذا الموضوع بوجاهة متابع على دراية معيَّنة منه.
•إجمالًا، لا نملك في الوطن العربي خطَّة إقليميَّة متكاملة بمفردات وطنيَّة لتحقيق الإصحاح البيئي المشترك.
•لقد تسبَّبتِ الخصومات السياسيَّة البَيْنِيَّة العربيَّة في منع تواصل بيئي منظَّم بَيْنَ الدول العربيَّة.
•كان يُمكِن أن تتحولَ البيئات الحدوديَّة إلى منصَّات مشاريع قوميَّة مشتركة رائدةٍ في هذا المجال، كذلك لم يُسجل حتَّى الآن أيُّ تفوُّقٍ عربيٍ في موضوع براءات الاختراع والاكتشاف في المضمار البيئي العامِّ.
•ما يغلب على الموقف العربي الإصغاء فحسب في كلِّ المنتديات الدوليَّة لحمايَّة البيئة بما فيها اتفاقيَّة باريس المناخيَّة الإطاريَّة، ثم أين هو وجود منتدى عربي إنباتي قومي تتولى مؤسَّسة قوميَّة جامعة مسؤوليَّة إدارته؟ وأين هي الدالة المطلوبة لما يُعرف بالمُدن الخضراء؟
•لا أنكر وجود برامج في هذا الشَّأن، لكن الحاجة البيئيَّة العربيَّة إلى الإصحاح المبرمج أكبر من ذلك، خصوصًا مع المؤشِّرات الجديدة على هامش قرارات الرَّئيس الأميركي ترامب بالانسحاب من التعهدات الدوليَّة المشتركة الخاصَّة بالحدِّ من الاحتباس الحراري.
•الوطن العربي بحاجة ماسَّة إلى برنامج تأهيلي على مدار التنمية لتعزيز الرؤية الخضراء الشاملة، وعندها فحسب تكُونُ الأشجار قد وثَّقت براءتها من الوقوف بوجه العمران.
•ختامًا أنحني مجددًا احترامًا وتقديرًا لـ(وانجاري ماناي) الإفريقيَّة من كينيا الَّتي نالت جائزة نوبل للسلام عام 2004 لإسهاماتها الرائدة في مجال حماية البيئة من القصور الاحيائي وقيادتها حملة وطنيَّة واسعة لاستزراع وحماية التشجير المعمر، أحَد أعمدة الانتصار للبيئة الخضراء.
•في السياق، أتمنى على المرأة العربيَّة أن توظفَ جزءًا من انتباهها في مشروع الزينة البيئيَّة، أعني التشجير، ولو (5%) من جهدها على زينتها الشخصيَّة.
عادل سعد
كاتب عراقي