ثالثًا: قلة الصبر
انعدام الصبر في عصر سريع.. هذا الجيل ترعرع في زمن السرعة، كل شيء يريده يمكن أن يحصل عليه بضغطة زر.. إذا أراد شراء لعبة فإنه يحصل عليها من الإنترنت خلال أقل من يوم.. إذا أراد أن يشاهد فيلمًا فإنه يلجأ إلى الإنترنت و(النتفليكس) ويحضر فيلمًا في أي وقت يريد.. وإذا أراد أن يحضر مسلسلا فإنه يشاهد كل الحلقات في يوم واحد.
أصبح لدينا الآن العديد من التطبيقات التي سهلت علينا الحياة بشكل عام. إلا أن الحصول على تطبيقات تجلب لنا الرضا الوظيفي وبناء العلاقات المتينة غير ممكن.. إذ لا يوجد تطبيق يمكنه تحقيق ذلك لنا.
أعتقد أنكم كثيرًا ما تلتقون بشباب من الخريجين الجدد الأذكياء الذين يعملون بجد، وتسألونهم عن أحوالهم في العمل؟ ويجيبون أنهم يريدون الاستقالة! وحين نسألهم عن السبب؟ يقولون إنهم لا يشعرون بأنهم يحدثون التأثير المناسب! فأقول لهم: ولكن لم يمضِ على عملكم أكثر من سنة واحدة!!
إخواني.. على هذا الجيل تعلّم الصبر وإدراك أن هنالك أمورًا في الحياة مثل الحب، الرضا الوظيفي، السعادة، الثقة والصداقة، كلها مهمة، لكنها تحتاج إلى وقت. وللحصول عليها لا بد من المرور بتجارب وخبرات وعثرات.. وإذا لم يتعلم هذا الجيل على الصبر والمحاولة، فإنه سوف يقع لا محالة.. أسوأ ما قد يحدث له.. إصابته بالاكتئاب الشديد الذي قد يجعله عاطلًا وغير قادر على الإنجاز.. وهذا أمر سيئ.
رابعًا: البيئة
الإخوة الأعزاء.. سيناريو هذه الدوامة هو أن هذا الجيل لا يعرف معنى السعادة والرضا. وهذا يقودنا إلى البيئة التي نشأت من مجموعة من المؤسَّسات الحكومية والشركات التي لا تهتم بالأفراد وسلوكياتهم وتعاملهم مع الناس، بل تهتم بالأرقام والأرباح التي تجنيها المؤسسة.. تهتم بالسنوات ولا تهتم بالحياة. بمعنى أنها تهتم بالأهداف قصيرة المدى وتحقيقها، ولا يهمها ماذا يحصل في المستقبل. فالبيئة المحيطة بهؤلاء الشباب لا تهتم باكتسابهم مهارات حياتية، ولا تساعد على تعليمهم كسب الثقة الحقيقية بالذات، ولا تساعدهم على كسر حالة الإدمان التي هم فيها وإيجاد التوازن في الحياة.. مع ذلك فهذا الجيل يلوم ذاته، ويعتقد أنه السبب في هذا التخبط، وهو أمر يزيد من وضعه سوءًا. لذا يجب أن يدرك أفراده أنهم ليسوا السبب فيما آلت إليه الأمور، بل هو في البيئة المحيطة به وعدم وجود قيادة جيدة في عالمنا اليوم.
على المؤسَّسات الحكومية والشركات اليوم أن تجد حلولًا لهذه المشكلة التي تواجه الجيل ومساعدته على بناء الثقة، وردم الأخطاء التي اقترفها الآباء والمدارس والبيئة، وتلقينهم وتدريبهم المهارات الاجتماعية الواقعية وليست الافتراضية. يجب إبلاغهم بالتعلم على بناء حوار مع الآخرين بشكل واقعي من أجل بناء علاقات حقيقية بين الناس.
إخواني.. رسالتي في هذه المقالة ليست مناهضة للتكنولوجيا، وإنما هي مؤيدة للتحاور ومؤيدة للروح الإنسانية. علينا إعادة تقييم ثقافتنا السائدة التي تطالب بكل ما هو أكثر وأفضل وأسرع. نحتاج إلى تأكيد أهمية ما نحتاج إليه من أجل تفكيرنا وتطورنا وتحسين علاقاتنا بأطفالنا ومجتمعاتنا وشركاء حياتنا. وضريبة التكنولوجيا التي يدفعها أبناء هذا العصر. نعم نحن جيل السبورة والطباشير والقلم، وهؤلاء جيل التكنولوجيا. ولكن لا أستطيع أن أدعي أن آفة التكنولوجيا لم تصبنا نحن أيضًا، ولا يمكن أن أزعم أننا لم نستفد من هذا التطور.. فأنا أيضًا أحجز تذاكر سفري عبر الإنترنت وأدفع فواتير الكهرباء والماء والهاتف وغيرها بواسطة هاتفي النقال، وأتمتع مثل غيري بما أنعم الله علينا من وسائل التكنولوجيا الحديثة في جميع أوجه حياتنا اليومية.. حتى أن مقالتي هذه كتبتها على الحاسب الآلي وأرسلتها عبر (الواتساب) والتواصل الاجتماعي من أجل نشرها على كافة شرائح المجتمع.
وفي الختام أقول لكم: أبناؤكم أمانة يجب عليكم الاهتمام بهم وتنمية قدراتهم، ومساعدتهم على فهم أساليب التعليم؛ لأن بناء الشخصية يعتمد على الوالدين وتحذيرهم من السلوكيات الخاطئة، وفهم وجهة نظرهم يقوي من عزيمتهم حتى لا نخسرهم بسبب التقنيات الحديثة وتنوع الوسائل المحيطة بهم. كما يجب علينا زراعة مبادئ الصح والخطأ قبل هذا كله، واختيار الأصدقاء والقدوة الصالحة.. فهم خير معين بإذن الله.
ربما يكون أكثر ما يؤلمك في تربية أبنائك هو الأمور التي ترغم على أن تحرمهم منها.. ليكن في علمك أن هذا الحرمان سيكون أهم شيء يعلمهم القوة والاعتماد على النفس.
محمد الكندي
كاتب عماني