الأربعاء 05 فبراير 2025 م - 6 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : تعظيم ثقافة المحافظة على المرافق العامة ومقتنياتها.. مسؤولية مشتركة والتزام أخلاقي

في العمق : تعظيم ثقافة المحافظة على المرافق العامة ومقتنياتها.. مسؤولية مشتركة والتزام أخلاقي
الثلاثاء - 04 فبراير 2025 02:25 م

د.رجب بن علي العويسي

10


انطلاقًا من أن استدامة الفرص التنمويَّة وقدرتها على صناعة الفارق ورسم ملامح التحول في مُجتمع عُمان القادم يستدعي امتلاك المواطن والمقيم والزائر على حدٍّ سواء للممكنات والسلوكيَّات والقناعات الَّتي تحافظ على سقف التوازنات في سلوكه الموجه نحو المنجز التنموي والمرافق العامَّة، وبناء التزام ذاتي نحوها لضمان المحافظة عليها والعمل على ديموميتها وإضافة البعد الجمالي نحوها، ومد جسور التواصل وحلقات التكامل الَّتي تضمن لهذا المنجز التنموي الاستدامة وصناعة الأثر، يشمل ذلك المتنزهات العامَّة والوجهات السياحيَّة كالعيون والأفلاج والأودية والكهوف أو المسطحات الخضراء أو الواجهات البحريَّة أو السدود أو الاستراحات العامَّة أو المتاحف أو المحميات الطبيعيَّة أو المماشي الرياضيَّة والصحيَّة أو الشواطئ والواجهات التجميليَّة وعمليَّات التشجير في التقاطعات والدوارات والشوارع العامَّة وغيرها.. وسواء كانت هذه المرافق عامَّة تشرف على مؤسَّسات الدولة أو إحدى المبادرات الأهليَّة والقطاع الخاص.

وعليه، فإن تعظيم ثقافة المحافظة على المرافق الخدميَّة العامَّة ومقتنياتها في ظل مسار التكامليَّة والمسؤوليَّة والالتزام يتجه إلى جملة المرتكزات الآتية:

- رفع درجة الوعي والحسّ التنموي، والشعور الجمعي بالمسؤوليَّة الَّتي يجب أن ترافق السلوك الفردي والمُجتمعي في تعامله مع هذه المرافق والخدمات العامَّة، بحيث يستحضر فيها الوعي والاحترام وتقدير المنجز والالتزام بتقديم ضمانات لاستمرار السلوك الإيجابي نحوه، والَّذي ينتقل عبر ممارسات القدوة إلى الأبناء والأجيال القادمة، وهي مسؤوليَّة باتت تتجاوز الحالة الشخصيَّة والوقتيَّة إلى السلوك الجمعي المستدام، بحيث لا ينتظر الوعي رقابة الآخر، بل في كونه مبدأ أصيلًا وثقافة متجذرة تتجه نحو غرس القدوة والنموذج، وبناء منهجيات التوعيَّة والتثقيف والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وتوعية الأبناء بما عليهم من واجبات بحيث يجب أن تتأصل فيهم وهم يستخدمون هذه المرافق أو يقومون بزيارتها أو يتنقلون بَيْنَها وفي محيطها، قواعد السلوك وحس المسؤوليَّة الَّتي تمكّنهم من الاستفادة المُثلى من هذه المرافق وتوجيهها لخدمة الآخرين من بعدهم، وهكذا تنتقل هذه الموجهات جيلًا بعد جيل وتتفاعل لتبرز على السطح صورة مزهرة، تعكس ارتفاع مؤشر الذوق والرقي في الفكر والوعي الجمعي والحسّ الداخلي في استجلاء النفس وحُسن تهذيبها وضبط ممارساتها لحماية هذه المرافق، كما لم تعُدْ مسألة الاحترام والذوق والرقي الَّذي يبديه الفرد والمُجتمع نحو هذه المرافق مسألة وقتيَّة تمارس في مكان دون آخر بحسب مستوى الرقابة والمتابعة الدوريَّة الَّتي تقوم بها جهات الاختصاص أو أفراد مؤسسة الأمن والسلامة ومنتسبو شُرطة عُمان السُّلطانيَّة أو موظفو البلديَّة؛ بل سلوك فطري ورادع أخلاقي وقيمي يستنطق فيه الفرد والمُجتمع خصال المُجتمع وهُوِيته الدينيَّة والأخلاقيَّة وسنن الإسلام في التعامل مع المرافق العامَّة من حيث النظافة ومنع كل أشكال العبث والتخريب وأهميَّة صونها والمحافظة على جاهزيتها وكفاءة استخدامها، والتعاطي بأريحيَّة مع اللوائح التحذيريَّة والتعليميات باستخدام مقتنياتها.

- تعزيز دور الوالدين والأُسرة والمدرسة ومؤسَّسات التنشئة الاجتماعيَّة ومؤسَّسات المُجتمع الأهلي؛ في تربية الأبناء وتنشئتهم على قيَم وأخلاقيات المحافظة على المرافق العامَّة، وأصول التعامل معها وتعظيم قدرها واحتوائها، ومراقبة الأبناء وتأنيبهم في حالة صدور ما يخالف هذا السلوك أو يتنافى مع الطبع الأصيل أو يتجاوز حدود الذوق العام. كما يأتي دور المدارس وعبر تنشيط دور العناصر التعليميَّة في تعظيم قيمة ثقافة المحافظة على المرافق العامَّة ونظافتها، سواء في المناهج الدراسيَّة والممارسة اليوميَّة والأنشطة الطلابيَّة الصفيَّة واللاصفيَّة، والسلوك التعليمي العام ليبدأ من المحافظة على مرافق المدرسة ومقتنياتها وأجهزتها ثم ينتقل إلى ما يضيفه الطالب إليها وتفاعله معها بعد خروجه من المدرسة أو انتقاله إلى هذه المرافق، إذا ما سلمنا بأن أغلب الممارسات الَّتي تؤدي إلى العبث والتخريب بالمرافق العامَّة أو سوء استخدام مقتنياتها، والعنف في استعمَّالها يأتي من الأطفال والصغار ومن هم في عمر المدرسة، ما يؤكد على أن هذا الدور يجب أن يرسم مسار الوعي الجمعي للأبناء في التعامل مع هذه المرافق والخدمات، كما أن ما يصنعه الكبار والآباء والأُسر في الواقع وحجم التصاق ذلك بمنهج القدوة والتزام السلوك الراقي والتصرفات الحسنة، سوف ينعكس على سلوك الأبناء فمثلًا: إن ترك القمامة في المسطحات الخضراء أو الأماكن العامَّة مع وجود الأماكن المخصصة لها باتَ ظاهرة شائعة وسلوكًا مقيتًا يمارسه الكبار قبل الصغار، الأمر الَّذي تغيب فيه القدوات والنماذج ليترك بصماته السيئة على الصغار الَّذين يمارسون بدورهم هذا السلوك على مرأى من الوالدين، وتشجيع الأُسرة لهم، موقف تختزل فيه المبادئ والقيَم والأخلاق وتغييب القدوات والنماذج.

- تأصيل مفهوم دور الضبط الاجتماعي وتوظيف الفرص المؤسسيَّة المتاحة، إذ تضع حالة التجاهل والسلبيَّة الَّتي يمارسها البعض في مشاهدة الضرر الَّذي يمارسه الأطفال أو غيرهم في المرافق والمتنزهات العامَّة من تخريب لأنابيب المياه وتوصيلات الكهرباء وقطف للزهور وعبث بالتشجير تضع الجميع أمام مسؤوليَّة تعظيم الضبط الاجتماعي، والتوجيه الحسن كأحد أساليب المُجتمعيَّة للمحافظة على استدامة هذه المرافق، بالإضافة إلى الاستفادة من الفرص الَّتي أتاحتها الجهات المختصة بهذا الشأن، ومن ذلك أرقام الاتصال المباشر لدى المؤسَّسات المعنيَّة بشأن الإبلاغ عن هذه التصرفات؛ باعتباره دعوة للمُجتمع لتعظيم ثقافة المحافظة على هذه المرافق وإعادة إنتاجها في إطار ما تؤصله من مساحات التغيير الذاتي والإصلاح الداخلي، لتكون القاسم المشترك والرابطة الوطنيَّة الَّتي تجمعهم في حُب عُمان.

- تفعيل القوانين والعمل بالإجراءات وتعزيز دور الضبطيَّة القيميَّة في الحدِّ من الممارسات السلبيَّة وظواهر التخريب والعبث بالمرافق في ظل حجم المشاهدات الَّتي تبرز انحراف السلوك المُجتمعي الموجه نحو استخدام هذه المرافق بمختلف استخداماتها وأنواعها، الأمر الَّذي يستدعي إعادة رصد مسار العمل والوقوف على تجلياته وتداعياته وأبعاده واتخاذ الإجراءات الضابطة لاستخدام هذه المرافق، سواء ما يتعلق بترك القمامة في المكان أو تخريب الأجهزة والأدوات أو العبث بمحتويات المرافق، ما يؤكد على أهميَّة تعزيز التشريعات والقوانين الَّتي تضبط هذا المسار، وأهميَّة متابعة تنفيذ في الواقع، وترسيخ أبجدياتها في سلوك المُجتمع وتدريسها في مناهج التعليم وإتقان مرتكزاتها في سلوك الطلبة في مختلف المراحل التعليم الدراسيَّة؛ باعتبارها من أكثر الفئات الَّتي تستخدم هذه المرافق بصورة مستمرة، وأكثرها الفئات الَّتي تمارس هذا السلوك الشائن، إن لم تجد من يأخذ بأيديها إلى الإصلاح، فإن تناول المشرع العُماني لحالات التخريب والعبث بالأجهزة ومقتنيات المرافق العامَّة جاء بشكل صريح في المادة (111) والمادة (166) من قانون الجزاء المعدل بالمرسوم السُّلطاني (11/2025). كما يمكن قراءته وبشكل ضمني في مواد أخرى من قانون الجزاء المتعلقة بالمحافظة على الموارد الوطنيَّة والمال العام ومراعاة الذوق والمشاعر المُجتمعيَّة والنظافة العامَّة، كما أن القرارات الوزاريَّة والإجراءات والتعميمات واللوائح المتاحة بشأن هذه المرافق واللبس المحتشم في الأماكن العامَّة، كفيلة بتعظيم السلوك الآمن في استخدام هذه المرافق، مع أهميَّة أن يصاحبها مزيد من البرامج التوعويَّة والتثقيفيَّة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أخيرًا، تمثِّل هذه المرتكزات وغيرها محطات مهمَّة يجب الوقوف عليها وتَبنِّي السياسات والتشريعيات والإجراءات والخطط والشراكات والنماذج المبتكرة الَّتي ترفع من سقف مساهمتها في تعظيم ثقافة المحافظة على المرافق العامَّة، واستشعار قيمتها واستدامتها للأجيال القادمة؛ باعتبارها رصيدًا وطنيًّا يجب أن يحظى بمزيد من الاهتمام والرعاية والصون والتثمير فيه وتعظيم قدره، لما في ذلك من تعبير أصيل على ثقة الفرد والمُجتمع في المنجز التنموي، والمكاسب الوطنيَّة المتحققة، ورفع درجة الحساسيَّة والشعور الإيجابي والوعي الجمعي بما تقدمه هذه المرافق من أجله.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]