الأحد 09 فبراير 2025 م - 10 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : تعزيز الحوار الاجتماعي ودوره فـي استدامة التنمية

الثلاثاء - 04 فبراير 2025 06:35 م

رأي الوطن

300


يُعَدُّ الحوار الاجتماعي عنصرًا أساسًا في تحقيق التوازن بَيْنَ أطراف الإنتاج، حيث يُسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال إيجاد آليَّات تشاركيَّة لصياغة السياسات العمَّاليَّة وضمان حقوق جميع الأطراف المعنيَّة. وفي ظل التحولات الاقتصاديَّة السريعة، أصبح الحوار بَيْنَ الحكومة وأصحاب العمل والعمَّال ضرورة ملحَّة لمواجهة التَّحدِّيات الَّتي تفرضها العولمة والتغيرات في سُوق العمل. تعتمد الدول الَّتي تسعى لتحقيق تنمية مستدامة على ترسيخ مبادئ الحوار الاجتماعي، ليس فقط لحلِّ النزاعات العمَّاليَّة، ولكن أيضًا لتطوير سياسات تشغيل عادلة، وضمان توزيع متوازن للمكتسبات الاقتصاديَّة، وتعزيز القدرة التنافسيَّة لسُوق العمل، ونتيجة لذلك تعمل العديد من الدول على تحسين الأُطر التشريعيَّة والتنظيميَّة لضمان مشاركة جميع الأطراف في اتخاذ القرارات الَّتي تؤثر على بيئة العمل ومستقبل التنمية الاقتصاديَّة، فالسياسات القائمة على الحوار المشترك تُسهم في بناء مُجتمعات أكثر استقرارًا، حيث يشعر العاملون بالأمان الوظيفي، وأصحاب الأعمال بالقدرة على التوسع دون معوِّقات قانونيَّة أو اجتماعيَّة تعيق النُّمو الاقتصادي.

ومن هذا المنطلق شهدت سلطنة عُمان جهودًا كبيرة في تعزيز ثقافة الحوار الاجتماعي، حيث نظّمت ندوة (أطراف الإنتاج الثلاثة) الَّتي جمعت ممثلين عن الحكومة، أصحاب العمل، والعمَّال لمناقشة سُبل تحقيق حوار اجتماعي أكثر استدامة، حيث تناولت الندوة عدَّة محاور، من بَيْنَها تقييم الإصلاحات العمَّاليَّة الَّتي تم تنفيذها في السلطنة، ودورها في تعزيز التوازن بَيْنَ الحقوق والواجبات، وضمان بيئة عمل أكثر استقرارًا وجاذبيَّة، كما تم استعراض تجارب دوليَّة ناجحة، مثل التجربة السنغافوريَّة، الَّتي تعتمد على الحوار الاجتماعي كأداة لصياغة سياسات اقتصاديَّة متكاملة، وتحديد الحدِّ الأدنى للأجور، وتعزيز استقرار سُوق العمل، فهذه التجربة أثبتت أن تعزيز ثقافة الحوار يقلل من النزاعات العمَّاليَّة، ويؤدي إلى وضع سياسات أكثر شمولًا، ما يُسهم في تحسين الإنتاجيَّة وتعزيز بيئة العمل. وقد سلَّطت الندوة الضوء على أهميَّة تطوير آليَّات الحوار الثلاثي؛ لضمان فاعليَّة التشريعات العمَّاليَّة الجديدة وتحقيق توافق أكبر بَيْنَ السياسات الاقتصاديَّة ومتطلبات سُوق العمل، ما يُعزِّز مكانة سلطنة عُمان كوجهة اقتصاديَّة جاذبة.

لقد شكَّلتِ الإصلاحات التشريعيَّة الأخيرة في السلطنة، وخصوصًا إصدار قانون العمل الجديد، خطوةً مهمَّة نحو تعزيز الحماية الاجتماعيَّة وضمان بيئة عمل متوازنة، فقد أسهمت هذه الإصلاحات في تحسين ظروف العمل، وتوفير آليَّات أكثر فاعليَّة لحلِّ النزاعات العمَّاليَّة، وتعزيز حقوق العمَّال، بما في ذلك العمَّال المهاجرون، كما أكدت المناقشات خلال الندوة على ضرورة استمرار العمل على تطوير التشريعات، بما يواكب المعايير الدوليَّة، ويُعزِّز دور النقابات العمَّاليَّة في الدفاع عن حقوق العمَّال والمشاركة في صنع القرارات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، ومن خلال تفعيل دور لجان الحوار الاجتماعي وتطوير أساليب التفاوض الجماعي، يمكن تحقيق مزيد من التكامل بَيْنَ أهداف التنمية الاقتصاديَّة ومتطلبات العدالة الاجتماعيَّة، مما يُعزِّز استقرار سُوق العمل وجاذبيته للاستثمارات، فالاقتصاد القائم على التوازن بَيْنَ مصالح العمَّال وأصحاب الأعمال، مع وجود تشريعات واضحة وآليَّات استشاريَّة قويَّة، يكون أكثر قدرة على التكيُّف مع التَّحدِّيات المستقبليَّة، ويُعزِّز من تنافسيَّة بيئة الأعمال.

ورغم التقدم الملحوظ في تعزيز الحوار الاجتماعي في السلطنة، لا تزال هناك تحدِّيات تتطلب مزيدًا من الجهود، مثل الحاجة إلى تعزيز ثقافة التشاور داخل مؤسَّسات العمل، وضمان استقلاليَّة النقابات العمَّاليَّة، وتوسيع نطاق مشاركة العمَّال في صنع القرارات الاستراتيجيَّة، ومع ذلك فإنَّ هذه التَّحدِّيات تمثِّل أيضًا فرصًا لتطوير آليَّات أكثر فاعليَّة للحوار الاجتماعي، من خلال تعزيز التعاون مع المنظمات العمَّاليَّة الدوليَّة، والاستفادة من التجارب الناجحة في بناء بيئة عمل قائمة على التشاور والشراكة، فاستمرار هذه الجهود سيؤدي إلى تحسين بيئة العمل، وزيادة الإنتاجيَّة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بما يُسهم في تحقيق رؤية «عُمان 2040» الَّتي تهدف إلى بناء اقتصاد تنافسي ومستدام يعتمد على مبادئ العدالة الاجتماعيَّة والشراكة الفاعلة بَيْنَ جميع الأطراف. فالحوار الاجتماعي حين يكون مبنيًّا على أُسُس واضحة، وملتزمًا بتحديث مستمر وفقًا للمتغيرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، يصبح حجر الزاوية في تحقيق تنمية اقتصاديَّة واجتماعيَّة متوازنة ومستدامة.