الأحد 09 فبراير 2025 م - 10 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

الكاتب محمد قراطاس : الشعر أكثر كرما وإيثارا من جميع أنواع الكتابات الأدبية

الكاتب محمد قراطاس : الشعر أكثر كرما وإيثارا من جميع أنواع الكتابات الأدبية
الاثنين - 03 فبراير 2025 05:21 م

مسقط ـ العُمانية:(العمل السردي فعل كتابي أناني جدًا، وعندما يبدأ الشاعر بالكتابة الروائية فإنها تمنعه من كتابة أي إبداع آخر وخاصة الشعر. فالشعر أكثر كرمًا وإيثارًا من جميع أنواع الكتابات الأدبية، فهو يسمح بأن تشاركه في قلب الشاعر وفكره).. من خلال تلك العبارة يضع الشاعر والكاتب العُماني محمد قراطاس المهري القارئ والمتابع حيث حقيقة الشعر وبيان الرواية.

وفي سياق التجربة الإبداعية، والحديث عن الشعر ونتاجه الإبداعي، (ما ورثه الضوء)،(تغريبة بحر العرب)، و(الأعشاب تفقد الذاكرة سريعًا)، مرورًا بالسرد ورواية (الأعتاب)، يتحدث (قراطاس)، عن وقع المواءمة بينهما ويوضح أن التجربة الإبداعية لكل متعامل مع الأدب لابد أن تتشابه في كثير من جوانبها ابتداءً من اللحظة الأولى التي يشعر فيها المؤلف أن لديه جذوة خلّاقة في روحه وانتهاء بالكتابة الأخيرة التي رفع فيها قلمه عن الورقة، ما نختلف فيه هو الأسلوب والأحداث والزمن الذي حمل هذه الرحلة.

وأضاف: وأنا مثل كثير من الكُتّاب بدأت تلك الجذوة بالظهور في المراحل الأولى من الحياة، واختلفت عن كثير من مجايلي في (ظفار)، إن جذوتي وجدت في الشعر الفصيح طريقها. وكان هذا خيارًا صعبا ألزمتني فيه القريحة الشعرية في مجتمع يميل بأغلبه للشعر الشعبي. ومع قلة المرتادين لهذا الطريق فقد كان في كثير من الأحيان يشكل عالمًا من الوحدة يخلو من كل شيء ما عدا الكتاب. وبرغم هذا دفعتني الرغبة الجامحة لدي إلى الاستمرار والكتابة بهذا الغالب ومع السنوات بدأت أتعود على هذه الحالة الشعورية وأجد فيها متنفسًا جميلًا وخلوةً رائعة.

ويشير الكاتب (قراطاس) إلى ما قدمته سياقاته الشعرية الثلاثة، حيث التقاطعات بين تلك الإصدارات، وتفاصيل العمل السردي (الأعتاب) ويؤكد على أن جميع هذه الإصدارات الشعرية تتقاطع في نفس الفكرة، وهي أن مصدرها ذات العقل وذات القلب لشاعر واحد. وهي متأثرة بتصاعد فكري ونفسي مع مراحل الشاعر الحياتية. وعلى الرغم من أن الشعر هو كائن به الكثير من الفضاءات إلا أن ظهوره يخضع للظروف الإنسانية التي يمرّ بها الشاعر أو تمرّ به. وذلك لا غرابة في أن من سيقرأ الديوان الأول أو الثالث سيشعر بوجود ذات الشاعر بين الجُمل والتفاعيل. أما الرواية فهي كذلك تنصبغ بنفس اللون الخفي ولكن تحتاج إلى عين ناقدة لتتبع ظهور الشاعر بين حين وآخر والتقاط لمحات منه في فصول الرواية.

ولكون (قراطاس) (شاعرًا) و(روائيًّا)، يتحدث أيضا عن الأقرب إليه من هذين الاتجاهين، وأثر كل منهما على تطور أسلوبه الكتابي، والأكثر تأثيرًا في المستقبل: السّرد، مثل الرواية أو القصة القصيرة، أم الشعر فيقول: العمل السردي هو فعل كتابي أناني جدًا ، وعندما يبدأ الشاعر بالكتابة الروائية فإنها تمنعه من كتابة أي إبداع آخر وبالذات الشعر ، الشعر أكثر كرمًا وإيثارًا من جميع أنواع الكتابات الأدبية، فهو يسمح بأن تشاركه في قلب الشاعر وفكره، ولذلك فقد عانيت كثيرًا في فترة كتابتي للرواية في العودة لكتابة الشعر، والمعاناة هنا ليست في امتناع الإبداع عند كتابة الشعر، بل في محاولة النثر المتكررة في الاستيلاء على ذلك الإبداع وتحويله لحسابها، ويمكن مشاهدة ذلك في كثير من الشعراء الذين تخلوّا تماما عن الكتابة الشعرية واتجهوا للرواية. بالنسبة لي فإن الشعر هو الأقرب المتجذر في نفسي. ولذلك لو تم تخييري بين الاثنين فأنا أختار الشعر.

ويشير (قراطاس) إلى تطور روح القصيدة العُمانية، مرورًا بالتجديد والتحوّل في الشكل والمضمون مقارنة بالكلاسيكيّة منها، والتحدّيات التي تواجه الشعر على مستوى المحيط العربي أو العُماني في ظل بيان نَفَس السرد فيتحدث: لا أتفق مع مقولة روح الشعر (العُمانية) أو (الخليجية) أو أي مُسمى. فالشعر الحقيقي لا يرتبط بالجغرافيا أو القوميات، بل هو إبداع إنساني محض، ولكن يمكننا التساؤل عن التجربة الشعرية للشعراء العُمانيين وبالنسبة لي أرى أن التجربة الشعرية في سلطنة عُمان ظلت لسنوات في مستوى واحد، واعتقد بأنها في أغلبها ما زالت عند نفس المستوى، ولسببين أولًا (حالة الواقع المعاش وما ويتجسد ذلك في جوانب اقتصاديّة واجتماعيّة)، وثانيهما (التجارب الفكريّة في الساحة الشّعرية)، فهذان السببان لم يتغيرا كثيرا منذ عقود، ولذلك فظهور أسماء عُمانية ذات تأثير شعري على المستوى الدولي قليل. وطبعا لا أتحدث عن المسابقات، فهي أسوأ مكان يمكن فيه تقييم التطور الشعري لبلد معين، وإنما أتحدث عن التأثير والتطوير الحقيقي في حركة الشعر التصاعدية ، وعن نفسي لا أرى أي بوادر تقدم جماعي في هذا المجال، فالشعر يزهر في المجتمعات ذات الرفاهية المتعدّدة في تشكّلها، وهو كذلك يزهر حين لا تكون هناك أدوار قاسية ومعقدة لأفكار وتابوهات في المجتمع، وحركة التقليد لقوالب الشعر خارج سلطنة عُمان بدأت تزيد بشكل كبير كنوع من الخروج عن السياق، فأنت إن هربت من مجتمعك فإنك تحاول الانتقال إلى مجتمع آخر عن طريق تقليده في كل شيء، لكنك ستظل دائمًا نسخة باهتة مهما تم عرضك.

وفي سياق الأدب العُماني ومواكبته (مستقصيًا) التحولات الثقافية والاجتماعية محليًّا، يشير الشاعر (المهري) إلى الأديب في سلطنة عُمان وكيف استطاع هو الآخر الحفاظ على الهُوية الثقافيّة والانفتاح على التجارب خارج نطاقه الجغرافي فيقول: لا يدمّر التطور الشعري والإبداعي مثل مقولة المحافظة على خصوصية الثقافة والأدب، وجميع المجتمعات في المنطقة الخليجية تنتهج نفس الفكرة العقيمة، ولذلك عالميًّا في مجال الإبداعات الإنسانية (نحن) لا نُعتبر مطلقا على الخارطة، فلا تأثير أبدا للأدب الخليجي أو حتى العربي للأسف، وظهور أسماء عربية في الكتابات الإنسانية لا تخرج من جهتين، إما كاتب عربي عاش قبل مئات السنين مثل ابن رشد أو ابن العربي أو ابن خلدون، وإما عربي خرج من مجتمعه العربي ونشأ في مجتمع غربي كجزء من هُويته مثل أمين معلوف أو جبران خليل جبران، ونحن لسنا بعيدين عن ذلك، نحن نعيش في حالة قتال للحفاظ على ما يسمى خصوصيتنا العُمانية العربية والإسلامية.

الكاتب محمد قراطاس : الشعر أكثر كرما وإيثارا من جميع أنواع الكتابات الأدبية