الاثنين 03 فبراير 2025 م - 4 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : مواجهة عربية لمخطط التهجير القسري ضرورة

الأحد - 02 فبراير 2025 06:35 م

رأي الوطن

10


تتزايد المؤشِّرات على أنَّ الإدارة الأميركيَّة تحاول فرْضَ حلِّ تهجير الفلسطينيِّين من غزَّة إلى الدوَل المجاورة، خصوصًا مصر والأردن، كجزءٍ من رؤية «إسرائيليَّة» قديمة لتصفيةِ القضيَّة الفلسطينيَّة ديموغرافيًّا وجغرافيًّا، هذه المحاولات ليسَتْ وليدةَ اللَّحظة، بل تأتي ضِمْن سياقٍ طويل من الضُّغوط الأميركيَّة والصُّهيونيَّة الَّتي تستهدف إعادة تشكيل الشَّرق الأوسط وفقَ مصالح الاحتلال، دُونَ أيِّ اعتبارٍ للحقوق الفلسطينيَّة أو استقرار الدوَل العربيَّة. فرغمَ وضوحِ الموقفَيْنِ المصري والأردني منذُ البداية، حيثُ أكَّد الرَّئيس المصري عبد الفتَّاح السِّيسي رفْضَه القاطع لفكرةِ ترحيل الفلسطينيِّين إلى سيناء، مُشدِّدًا على أنَّ هذا الأمْرَ يُمثِّل تهديدًا مباشرًا للأمْنِ القومي المصري، وتأكيد الملك عبد الله الثَّاني موقف الأردن الثَّابت بأن لا توطينَ ولا تهجير، مشيرًا إلى أنَّ أيَّ محاولةٍ لفرضِ هذا المُخطَّط ستؤدِّي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملِها، فرغمَ هذيْنِ الموقفَيْنِ لا يزال الأميركي مُصرًّا على ارتكاب الجريمة.

إنَّ الحديثَ الأميركي عن (خيار إنساني) لترحيل الفلسطينيِّين ليس إلَّا إعادةَ إنتاجٍ لسياسات التَّهجير القسري الَّتي طالَما انتهجَتْها دولة الاحتلال الصُّهيونيّ المارقة، لكنَّ المختلفَ هذه المرَّة أنْ يأتيَ المُخطَّط في ظلِّ دمارٍ غير مسبوق لقِطاع غزَّة بعد العدوان الأخير، ممَّا يجعلُ الحديثَ عَنْه أكثرَ خطورةً من أيِّ وقتٍ مضَى، فهل ستُواجِه الدوَل العربيَّة هذا المُخطَّط بحزمٍ؟ أم أنَّ الضُّغوطَ الدّوليَّة ستفرضُ نَفْسَها على القرار السِّياسي العربي؟ إذ لا يُمكِن إنكار أنَّ الضُّغوط الأميركيَّة مستمرَّة، خصوصًا مع محاولة واشنطن فرْضَ حلولٍ تتماشَى مع المصالح الصُّهيونيَّة بوضوحٍ، مِثل تقديم حوافز اقتصاديَّة للدوَل المستهدفة مقابل قَبولِ اللاجئين الفلسطينيِّين. ولعلَّ التَّحدِّي الرَّئيسَ الَّذي يُواجِه مصر والأردن هو كيفيَّة الصُّمود في وَجْه هذه الضُّغوط، خصوصًا مع التَّهديدات المباشرة وغير المباشرة الَّتي قد تشملُ تقليصَ المساعدات الاقتصاديَّة أو فَرْضَ عقوباتٍ دبلوماسيَّة في حال استمرار الرَّفض، وتَرْكُ مصر والأردن يواجهانِ هذا الضَّغط بمفردهما يُمثِّل خطأً استراتيجيًّا فادحًا، إذ يَجِبُ على الدوَل العربيَّة أنْ تتبنَّى موقفًا موَحَّدًا لِدَعمِ رفْضِ التَّهجير القسري، هذا الدَّعم لا يَجِبُ أنْ يكُونَ مجرَّد تصريحاتٍ دبلوماسيَّة.

وأهمُّ خطوةٍ في هذا الصَّعيد الدَّاعم لكُلٍّ من مصر والأردن في معركتهما ضدَّ هذا الصَّلف والتَّجبُّر، أنْ يكُونَ الموقفُ العربي الدَّاعمُ شاملًا تحرُّكاتٍ عمليَّةً صارمة مِثل حشدِ موقفٍ عربي قوي داخلَ الأُمم المُتَّحدة، والعمل على فَرْضِ عزلةٍ دوليَّة على أيِّ دَولةٍ تحاول التَّرويج لمِثل هذه الأفكار، كما ينبغي توفيرُ دعمٍ اقتصادي مباشر لمصرَ والأردن، حتَّى لا تتحوَّل الضُّغوطُ الماليَّة إلى أداةٍ لفرضِ هذا المُخطَّط على الدَّولتَيْنِ، بالإضافة إلى حتميَّة وجودِ تحرُّكٍ نشطٍ من قِبل الدوَل العربيَّة للوصولِ إلى مراكز صنعِ القرار في الولايات المُتَّحدة وأوروبا؛ بهدفِ توضيح أنَّ تهجيرَ الفلسطينيِّين لن يحلَّ الأزمة، بل سيؤدِّي إلى إشعالِ فتيلِ توتُّراتٍ جديدة في المنطقة، ممَّا يُهدِّد الأمن الإقليمي والدّولي.

إنَّ أيَّ مُخطَّط تهجيرٍ لا يُمكِن أنْ ينجحَ دُونَ قَبولٍ فلسطيني، وهو ما لم يحدُثْ ولن يحدُثَ، حيثُ أثبتَ الفلسطينيون في كُلِّ مراحل الصِّراع أنَّهم قادرون على الصُّمود رغم المجازر والحصار، فالمشاهد الَّتي شهدناها مؤخرًا من عودة الفلسطينيِّين إلى مناطق شمال غزَّة ـ رغم الدَّمار الهائل ـ تؤكِّد أنَّ البقاءَ على الأرض هو الخيار الوحيد لدَى هذا الشَّعب المناضِل الصَّامد، لذلك يَجِبُ أنْ يكُونَ هناك دعم عربي أيضًا لتعزيزِ صُمودِ الفلسطينيِّين، سواء من خلال إعادة إعمار غزَّة، أو تقديم الدَّعم الاقتصادي، أو تعزيز الوحدة الفلسطينيَّة لمواجهةِ هذا التَّهديد الوجودي، فالمعركةُ اليوم ليسَتْ فقط ضدَّ الاحتلال الصُّهيوني، بل أيضًا ضدَّ محاولاتِ إعادةِ إنتاجِ كارثةٍ جديدة، تأتي بغطاءٍ دبلوماسيٍّ أميركي، وهي معركةٌ تتطلَّب تضافرَ كُلِّ الجهود المُخلِصة لمنعِ تكرار المأساة.