الأحد 02 فبراير 2025 م - 3 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

الدبلوماسية العمانية .. حياد وموضوعية ومفاجآت سياسية إيجابية مستمرة

الدبلوماسية العمانية .. حياد وموضوعية ومفاجآت سياسية إيجابية مستمرة
السبت - 01 فبراير 2025 03:19 م

المنتصر بن زهران الرقيشي

30


في الـ (22) من يناير 2025، أعلنتْ وكالة الأنباء العُمانيَّة أنَّه وبمساعٍ عُمانيَّة وجهودها الإنسانيَّة المتَّصلة بوضع طاقم السَّفينة «جلاكسي ليدر» في اليمن، فلقَدْ تمَّ الإفراج عن طاقم السَّفينة وعددهم (25) شخصًا من جنسيَّات فلبينيَّة وبلغاريَّة ومكسيكيَّة وأوكرانيَّة ورومانيَّة، ونقلهم من صنعاء إلى مسقط على متن طائرة تابعة لسلاح الجوِّ السُّلطاني العُماني، تمهيدًا لعودتهم إلى بُلدانهم. وثمَّنت سلطنة عُمان التَّعاون الَّذي أبدتْه الأطراف المعنيَّة في إتمام هذه العمليَّة وتيسيرها.

قراءة بسيطة لهذا النَّبأ، فها هي بلادنا الحبيبة مستمرَّة في اضطلاعها بِدَوْرها الرِّيادي الصَّامت لنهجٍ دبلوماسي فريد، والَّذي اختطَّته سلطنة عُمان وكانتِ السبَّاقة دومًا فيما عهدناه من حيادٍ وموضوعيَّة، ولَطالَما ـ عزيزي القارئ ـ اتَّسمتِ السِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة بالرَّصانة والاتِّزان، ولهذا كانتْ علاقاتها مميزة في بناء جسور الثِّقة مع مختلف القوى الإقليميَّة والدّوليَّة، كما أنَّه يؤكِّد مكانتها كوسيطٍ نزيهٍ في المنطقة.

الدَّوْر العُماني في الوساطات، وبذْلُ المساعي الإنسانيَّة، وبذْلُ جهودها الصَّامتة «حتَّى الانتهاء» بالتَّنسيق مع الأطراف ذات العلاقة أمرٌ يتجدَّد بشكلٍ تلقائي، فمع تولِّي جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحُكم في البلاد أكَّد في خِطابه الأوَّل على السِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة الرَّاسخة، ويكفينا أن نستشهدَ بشكلٍ مباشر بالآتي:

«وعلى الصَّعيد الخارجي فإنَّنا سوف نترسّم خُطى السُّلطان الرَّاحل مؤكِّدين على الثَّوابت الَّتي اختطَّها لسياسة بلادنا الخارجيَّة القائمة على التَّعايش السِّلمي بَيْنَ الأُمم والشُّعوب وحُسن الجوار وعدم التَّدخُّل في الشُّؤون الدَّاخليَّة للغير واحترام سيادة الدوَل، وعلى التَّعاون الدّولي في مختلف المجالات، كما سنبقَى كما عهدنا العالَم في عهد المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور داعمين ومساهمين في حلِّ الخلافات بالطُّرق السِّلميَّة، وباذلِين الجهد لإيجادِ حلولٍ مُرْضية لها بروحٍ من الوفاق والتَّفاهم».

من خلاله، فإنَّ هذا النَّهج الدّبلوماسي الرَّاسخ في السِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة، والَّذي أرسَى دعائمه جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ واستمرَّ تحت قيادة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم، يُعزِّز من مكانة سلطنة عُمان كوسيطٍ موثوق به في حلِّ النِّزاعات الإقليميَّة والدّوليَّة، وهو ما يعني تلقائيًّا الاستمراريَّة، ولعلَّ ما يُمكِن الاستدلال به في هذا الشَّأن هو الموقع الجيوسياسي الَّذي يتمتَّع به هذا البلد الطيِّب والَّذي منحَ قادتها حكمة التَّوازنات الاستراتيجيَّة في المنطقة بشكلٍ عامٍّ لِتكُونَ عُمان حضنًا دافئًا يُلجأ إِلَيْها عِندَ الحاجة دُونَ خوف، وكمَن هو يتدثَّر بما آلَتْ إِلَيْه فواجع المحاولات بالفشلِ إدراكًا أنَّها ستبذلُ طاقتها بصمتٍ ومصداقيَّة وإخلاص. ولعلَّ المطَّلع على مسارات هذه الملفات من بعيد أو قريب يُدرك جليًّا أنَّ هذا ليس بالأمْرِ البسيط بما يحمله من تعقيدات واتِّصالات ورحلات دُونَ كلَلٍ ومَلَلٍ لِتَقديمِ المقترحات والأفكار الهادفة والإيجابيَّة لرأبِ أيِّ صدع قد يحدُث أو يُبطئ مسار تحقيق النَّجاح والوئام والسَّلام.

هذا النَّهج الثَّابت للسِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة يتجلَّى كشمسٍ ساطعة من خلال مواقفها الثَّابتة النَّابعة من حياديَّتها وموضوعيَّتها في التَّعامل مع الصِّراعات الإقليميَّة، حيثُ تبتعد مسقط عن التَّدخُّلات الَّتي قد تؤثِّر على علاقاتها الحياديَّة، ودائمًا ما تُفضِّل الحوار والتَّفاهم كوسيلةٍ لحلِّ النِّزاعات، الأمْرُ الَّذي يُثبت مصداقيَّتها ويُرسِّخ مكانتها كداعمٍ للسَّلام والاستقرار في المنطقة.

لنا نحن كعُمانيِّين منهجٌ يُستشهد به في الدِّراسات الأكاديميَّة والتَّحقيقات في مراكز البحوث لأدوار بلادنا الإيجابيَّة انطلاقًا من مواقف متعدِّدة يطول الحديث عَنْها وهي معروفة لدَى القارئ، ومِنْها الموقف العُماني تجاه الموقف العربي من الجمهوريَّة المصريَّة العربيَّة والمعروف، وصولًا إلى الموقف العُماني من الأزمة السُّوريَّة، وأيضًا الموقف العُماني تجاه ليبيا وصولًا إلى تحرير الرَّهائن، واليوم نجاح الجهود العُمانيَّة للإفراج عن طاقم السَّفينة، فالحادثة الَّتي نتحدَّث عَنْها اليوم ليسَتِ الأُولى ولن تكُونَ الأخيرة ما دامتْ هناك رغبة صادقة تَقُودُها سياسة مُحايدة. وإذا ما تحدَّثنا عن البُعد الإنساني للجهود العُمانيَّة فلا نستطيع أن نغفلَ عن هذه الأبعاد الدّبلوماسيَّة ذات الصّبغة الإنسانيَّة الَّتي تستحقُّ الإجلال والتَّحيَّة، أمَّا القضيَّة الفلسطينيَّة فهي دومًا حاضرة في قلبِ كُلِّ عُماني، ولنَا كُلُّ الفخر ما نسمعُه من أهلِنا هناك وإن كان ذلك واجبًا ستمارسه سلطنة عُمان دومًا وأبدًا حكومةً وشَعبًا لأنَّها ذات مواقف سياسيَّة ثابتة بكُلِّ أبعادها الموضوعيَّة والإنسانيَّة ما دامت تصبُّ في منهج الحقِّ والسِّلم والسَّلام.

المنتصر بن زهران الرقيشي

 [email protected]