في ظلِّ ما يظهر من انتشار أسماء مستهجنة لتصاريح سياحيَّة وتجاريَّة ومسمَّيات لأنشطة اقتصاديَّة باتَ نطْقُها أو ترديدها يُثير حالةً من الدَّهشة وعدم الأريحيَّة يتنافى مع السَّمت العُماني والذَّائقة الجَماليَّة والذَّوق الرَّفيع ويختزل المشاعر العامَّة، أو قد يُفهم مِنْه معانٍ أُخر، كأن تكُونَ لهذه الأسماء أوصاف أخرى مستقبحة خارج الذَّوق والآداب العامَّة، ورغم شيوعها في المُجتمع أو بَيْنَ بعض الخاصَّة، إلَّا أنَّ ذِكرَها في الملأ أو أمام الأطفال أو الأُسرة ممَّا يستقبحه الذَّوق السَّليم وتَعافُه الفطرة السويَّة، فما بالك أن يكُونَ اسمًا مشاعًا لمنشأة يقرؤه الجميع ويتعامل معه المستفيدون من هذا النَّشاط. إنَّ هذه الموضة من المُسمَّيات والأسماء باتتْ تحملُ مدلولات غير مستساغة مُجتمعيًّا وعرفيًّا وغير مقبولة في شكلِها الجمعي، وتُثير حفيظة الشَّارع الاجتماعي لِمَا فيها من أمور غريزيَّة أو كلمات نتنة أو تعبيرات لا تليقُ بشخصيَّة الإنسان المُسلِم وكرامته، الأمْرُ الَّذي باتَ يُشكِّل قلقًا اجتماعيًّا، ويؤكِّد على أهميَّة إعادة تصحيح هذا المسار، وتَبنِّي سياسات وطنيَّة في إدارة المحتوى الوطني، وعَبْرَ إيجاد قواعد بيانات وطنيَّة تكامليَّة بالأسماء والمُسمَّيات والتَّعبيرات الثقافيَّة والمدلولات المرتبطة بمسمَّيات وأسماء البلدان والأودية.
إنَّ ما تتميَّز به سلطنة عُمان من رصيد مفاهيمي معرفي وثقافي وتاريخي وتراثي وبيئي يُمثِّل اليوم ثروة وطنيَّة يَجِبُ توجيهها في إطار اقتصادي استثماري موجّه، يجدُ فيه المستثمِرون والمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة وروَّاد الأعمال خيارًا لَهُم في إطلاق أسماء نَوعيَّة وإيجابيَّة على منشآتهم ومنتَجاتهم، ومساحة معرفيَّة وفكريَّة داعمة لَهُم اقتصاديًّا، وتعَبِّر عن صورة راقية ووصف تفاؤلي تفاعلي يَضْمن لسمعة المنشأة التجاريَّة والسياحيَّة الانتشار والقوَّة والمنافسة والتَّأثير، ويصبح رصد هذه المُسمَّيات وتجلِّياتها في الواقع الوطني، واتِّخاذ مُحدِّدات وإجراءات وطنيَّة في إطار المحتوى الوطني نَحْوَ حصرها والتَّعريف بها يُمكِن أن يُشكِّلَ منطلقًا لِتَصحيحِ المسارات القاتمة في هذا الشَّأن، والصُّورة غير السَّارَّة الَّتي باتتْ تُسقطها هذه المُسمِّيات، سواء في تداولها بَيْنَ النَّاس أو نطقها والإشارة إِلَيْها في سُلوك المُجتمع، ناهيك عن تأثيرها على السُّمعة المؤسَّسيَّة والهُوِيَّة الاقتصاديَّة للمنشآت، ما يؤكِّد على أنَّ إدارة المحتوى الوطني في مجالات السِّياحة والاقتصاد والتِّجارة والمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة يؤسِّس في أحَد جوانبه إلى التَّوطين المفاهيمي المُعزّز لكفاءة المنتَج الوطني، لِتبدأَ الجودة والثِّقة في المنتج من اختيار وانتقاء المُسمَّيات، وتستمرَّ في إطار المحتوى المحلِّي لِتَوظيفِ الموارد الوطنيَّة وإعادة إنتاجها وتعظيم حضور الكفاءة البَشَريَّة العُمانيَّة لِتُشكِّلَ جميعها مساحة قوَّة في إبراز سمعة المنتَج الوطني محلِّيًّا وعالَميًّا ورفع سقف توقُّعات نجاحه والثَّقافة الشرائيَّة عَلَيْه.
إنَّ الاختيار الحسَن واللائق لأسماءِ المنشآت السياحيَّة والتجاريَّة، أكثر من كونه اسمًا لمنشأة تجاريَّة أو سياحيَّة أو خدميَّة أو غيرها، بل هو قِيمة مضافة تنعكس إيجابًا على موقع المنتَج في السُّلوك الاجتماعي وحضوره في السلَّة الاستهلاكيَّة، والشُّعور بقِيمته وموقعه في قناعات المُواطنِين. فمن جهة يُمكِن أن ترفعَ هذه المُسمَّيات من سقفِ الإيجابيَّة والتَّفاؤليَّة الدَّاعمة لسمعةِ المؤسَّسة تجاريًّا ويصنع لها حضورًا مُجتمعيًّا يتداوله أبناء المُجتمع في المنصَّات الاجتماعيَّة وعَبْرَ «الواتس أب» يفخر به المُواطِن، وسيكُونُ لذلك أثَره الإيجابي في مسألة التَّسويق والتَّرويج والثِّقة، خصوصًا في ظلِّ معطيات الحالة الاقتصاديَّة النَّاتجة عن استمرار العدوان الصهيوني على غزَّة، وقناعة المُجتمع بأثَر المقاطعة إيجابيًّا في إضعاف معنويَّات الكيان والشَّركات الدَّاعمة له الَّتي تقتل بهذه الأموال أبناء الأُمَّة في غزَّة ولبنان واليمن والعراق، كما أنَّ إطلاق هذه المُسمَّيات دعوة إلى المحافظة على سقفٍ عالٍ لحضورِ المنتَج الوطني في أولويَّات السلَّة الشرائيَّة والتَّسويقيَّة للمُواطِن، الأمْرُ الَّذي سيُسهم في زيادة فرص المنافسة، وتحقيق الاستدامة والتَّنويع في المنتَجات المحليَّة، وإضعاف حالة فرض سياسة الأمْرِ الواقع الَّتي تفرضها الشَّركات المتنفِّذة والعلامات (الماركات) العالَميَّة على الفضاءات الاستهلاكيَّة. فإنَّ حصرَ هذه المفاهيم وانتقاءها وإطلاقها على مُسمَّيات المنشآت السياحيَّة والتجاريَّة والاقتصاديَّة واعتمادها في أسماء العلامات العُمانيَّة للسِّلع والمنتَجات والخدمات، سوف يَضْمن مزيدًا من الاحترافيَّة في توظيف المفاهيم والتَّعبيرات الوطنيَّة اقتصاديًّا، ويرفع من الفخر والاعتزاز بالمنتَج الوطني لِيكُونَ الأكثر قَبولًا من المواطن، كما يؤصِّل ثقافة احترام المنتَج العُماني ورفع درجة الثِّقة والجودة فيه، فإنَّ التَّوَجُّه نَحْوَ المستقبل والتَّعامل مع مستجدَّاته والحفاظ على السِّمات الثَّقافيَّة بتنوُّعها وتفاصيلها وما تحمله من إيجابيَّة وتفاؤل وسلام وتنمية وأصالة واحتواء سوف يصبح مدخلًا مُهمًّا في ربط الثَّقافة بالاقتصاد وتعزيز حضور المحتوى الوطني الثَّقافي والبيئي والاجتماعي والأُصول الثَّقافيَّة في تعزيز اقتصاديَّات المُجتمع.
وعَلَيْه، فإنَّ اتِّخاذ مسارات وطنيَّة واضحة في تشجيع روَّاد الأعمال وأصحاب المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة، أو كذلك المنخرطون في العمل الحُر وعَبْرَ إيجاد التطبيقات الكرتونيَّة وقواعد بيانات تُتيح للمستثمِر وروَّاد الأعمال فرص اختيار أسماء منشآتهم والمدلولات المرتبطة بها، الأمْرُ الَّذي يَضْمن الاختيار الحسَن واللائق لأسماء المنشآت السياحيَّة والتجاريَّة، باعتبارها ضرورةً اقتصاديَّة وحضاريَّة وطنيَّة، فهي من جهة تُسهم في ربط المُجتمع بمفرداته الثقافيَّة والبيئيَّة في ظلِّ ما تحمله هذه المُسمَّيات من مواقف ووقائع وأحداث، أو التَّعرُّف من خلالها على موقع هذه المُسمَّيات والبلدان والأودية أو الأشجار أو النَّباتات أو الحيوانات أو غيرها، وسيكُونُ له مردوده الإيجابي على الذَّوق المُجتمعي العامِّ والفأل الاجتماعي الحسَن، وتربيَّة النَّشء على الأفكار الإيجابيَّة والكلمات الطَّيِّبة والذَّوق الحسَن، كما يغرس في فِقه الأبناء مساحات التَّأمُّل في لُغتهم العربيَّة كلُغة حاضرة في الاقتصاد والعلامات التجاريَّة بكُلِّ تفاصيلها، وتتكيَّف مع معطيات الواقع الاقتصادي والتجاري بكُلِّ أريحيَّة، الأمْرُ الَّذي يقترب بهم من واقعهم الاجتماعي، فيتعايش المواطن مع هذه الأسماء السياحيَّة والتجاريَّة بكُلِّ طمأنينة وثقة ويقرأ فيها حضور هُوِيَّته الثَّقافيَّة والحضاريَّة وانتمائه الوطني فإنَّ اتِّخاذ الإجراءات الَّتي تحفظ للهُوِيَّة العُمانيَّة العربيَّة مكانتها سوف يُسهِم في خلق تحوُّلات في مَسيرة الاقتصاد والاستثمار، ويُعزِّز من مسار المرونة والأريحيَّة من خلال السُّمعة الَّتي يُمكِن أن تتحقَّقَ من هذا الأمْرِ، في ظلِّ تَبنِّي المستثمِرِين وأصحاب المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة وروَّاد ورائدات الأعمال لهذا المسار في مشاريعهم التجاريَّة.
أخيرًا، يبقَى قراءة أثَر هذا التَّحوُّل في تكوينِ بيئة استثماريَّة فاعلة تَضْمَن ثقة المواطن فيها وعدم تأثُّره بما يتداول من أفكار أو معلومات حَوْلَ أداء العلامات التجاريَّة في بلدانها، بحيثُ يَجدُ المواطن في اختيار الأسماء لائقة الحُسن منصَّة تحوُّل نَحْوَ التَّغيير النَّوعي الَّذي يرفع من سقف الإيجابيَّة والمرغوب والمستحسن من المُسمَّيات والأسماء في تعزيز قِيمة أخلاقيَّة إنسانيَّة، أو الارتقاء بسُلوك اجتماعي أصيل، أو فرص التَّعبير عن طبيعة الموقف والحدث التَّاريخي، أو تصحيح لسُلوكٍ شائن وغير مرغوب، أو مفردة ترفع من سقف الفأل الحسَن والإيجابيَّة، كمدخلات ترفع لدَى المواطن شغفه في التعرُّف على معالم وطنِه وفرصة للاقتراب من ثقافته، فيتملكها قلْبُه وتَسمُو بها نَفْسُه وتصفو بها روحُه، وتعكس ملامح الشَّخصيَّة العُمانيَّة الَّتي ستجد في الأنشطة التجاريَّة والاقتصاديَّة الَّتي تحمل مِثل هذه المُسمَّيات أكثر من كونها نشاطًا تجاريًّا ربحيًّا أو مجرَّد تقديم سلعة أو منتج استهلاكي مُعيَّن، إلى الاعتزاز والفخر واستشعار قِيَم الوطنيَّة ومفرداتها من خلال الصِّناعات الثَّقافيَّة والمنتَجات المُعَبِّرَة عن الهُوِيَّة والخصوصيَّة العُمانيَّة؛ الأمْرُ الَّذي سَيضْمن فرصًا أكبر للبحثِ عن مداخل أوسع للتَّسويق المستمرِّ لهذه العلامات والأسماء التجاريَّة الَّتي تحمل مُسمَّيات لبلدان وبيئات ومواقع عُمانيَّة ذات أثَر إيجابي، لِتشملَ أشكال تعبير أخرى غير ماديَّة في لُغات الحوار والخِطاب والتَّواصُل اليومي أو أوصاف معيَّنة تحظى بمزيدٍ من التَّقدير والاهتمام بها في المُجتمع، ويبقى على مؤسَّسات الدَّولة المعنيَّة مسؤوليَّتها في تشجيع المُجتمع على أهميَّة أن يكُونَ إطلاق وتداول وتسمية المنشآت السياحيَّة والتجاريَّة وغيرها مُعَبِّرَة عن خصوصيَّة المُجتمع ومراعية للذَّوق والمشاعر العامَّة، وتُعزِّز مساحات التَّناغم بَيْنَ الأنشطة الاقتصاديَّة وعمليَّات التَّرويج والتَّسويق لها وفق مداخل الثِّقة والسُّمعة، وبناء الفرص المُتجدِّدة الَّتي تُعطي الأجيال القادمة انطباعًا إيجابيًّا حَوْلَ القِيمة المُضافة المعنويَّة المترتِّبة على استخدام الأسماء التجاريَّة العُمانيَّة.
د.رجب بن علي العويسي