يعيش الاقتصاد العُماني في الفترة الأخيرة مرحلةً من التَّطوُّر الملحوظ الَّذي يعكس قدرته الكبيرة على التكيُّف مع التَّحدِّيات الاقتصاديَّة العالَميَّة. وفي هذا السِّياق تأتي مساهمة البنك المركزي العُماني في تعزيز استقرار السيولة بالاقتصاد المحلِّي من خلال زيادة عرض النَّقد بنسبة (11%) خطوةً مُهِمَّةً جدًّا، فهذه الزِّيادة لم تكُنْ مجرَّد رقم، بل هي مؤشِّر على نجاح السِّياسات النَّقديَّة الَّتي تهدف إلى تحفيز الاقتصاد الوطني ودعمه في مواجهة الأزمات، وتتجلَّى أهميَّة هذه الزِّيادة في أنَّها تُسهم بشكلٍ مباشر في تعزيز النَّشاط الاقتصادي المحلِّي، حيث تؤدِّي إلى تنشيط الأسواق وزيادة الاستثمارات، كما تُسهم الزِّيادة في عرض النَّقد في تحفيز حركة العمل وزيادة فرص العمل في مختلف القِطاعات، فقَدْ نجحتِ السِّياسة النَّقديَّة العُمانيَّة في دعم استقرار الاقتصاد المحلِّي، مع تحقيق نُموٍّ مستدام كما تتطلبه رُؤية «عُمان 2040»، وأصبحتِ السِّياسات الاقتصاديَّة أكثر مرونةً، ما يُعزِّز الثِّقة في الاقتصاد العُماني.
وتُعَدُّ زيادة الإنفاق الاستهلاكي أحَد العوامل الأساسيَّة الَّتي تُسهم في تحفيز حركة السُّوق، فمع تزايد عرض النَّقد، ينمو الطَّلب على السِّلع والخدمات، ما يدفع الشَّركات إلى توسيع أعمالها بشكلٍ مستمرٍّ، وهذا التَّوسُّع يعكس ديناميكيَّة اقتصاديَّة نشطة، تُعزِّز من قدرة الاقتصاد العُماني على النُّمو بشكلٍ مستدام، فالشَّركات المحليَّة تجد نَفْسها في وضعٍ يُمكِّنها من التَّوسُّع وإيجاد فرص عمل جديدة، وهو ما يُعزِّز من استدامة النُّموِّ في الاقتصاد المحلِّي، كما يدفع هذا التَّحسُّن المُتسارع في السيولة والنَّشاط الاقتصادي إلى رفعِ مستوى الإنتاج المحلِّي الإجمالي، ويُسهم في تعزيز القدرة التَّنافسيَّة لسلطنة عُمان على المستويَيْنِ الإقليمي والعالَمي.
إلى جانب هذه السِّياسات الاقتصاديَّة، يُعَدُّ الاستقرار النَّقدي عاملًا أساسيًّا في زيادة مستوى الثِّقة في النِّظام المصرفي العُماني، وهذا الاستقرار انعكس بشكلٍ إيجابي على بورصة مسقط، حيثُ شهدتِ القِطاعات الصِّناعيَّة والماليَّة نُموًّا ملحوظًا، وهذا يعكس الانفتاح على الفرص الاستثماريَّة في سلطنة عُمان الَّتي تتوسَّع في مشاريع جديدة، وقد ظهرتْ هذه المشاريع على أرض الواقع من خلال الشَّركات الَّتي سجَّلتْ أرباحًا كبيرة في قِطاعات مِثل الصِّناعة والخدمات الماليَّة، ممَّا يعكسُ نجاح الاقتصاد العُماني في جذب الاستثمارات الدّوليَّة والمحليَّة على حدٍّ سواء. من ناحية أخرى، يعكس تزايد القدرة على توفير التَّسهيلات الماليَّة والتَّمويل للمشاريع أهميَّة هذه السِّياسات في تسريع نُموِّ القِطاع الخاصِّ، فهذه السِّياسات تُسهم في تحفيز القِطاع الصِّناعي من أجْلِ القيام بِدَوْر أكبر في دفع عجَلة التَّنمية الاقتصاديَّة، وهو ما يساعد في تحقيق الاستدامة الاقتصاديَّة على المدَى الطَّويل.
إنَّ تحقيقَ السَّلطنة تَقدُّمًا ملحوظًا في تعزيز مكانتها الاقتصاديَّة على الصَّعيدَيْنِ الإقليمي والعالَمي، لم يكُنْ وليدَ مصادفة، فقَدْ جاء نتيجةَ خططٍ وبرامجَ محْكمة، أدَّتْ إلى ارتفاع ملحوظ في فائض الميزان التِّجاري، الَّذي وصلَ إلى (7) مليارات ريال عُماني في نوفمبر 2024، هذا النُّموُّ يعكس قدرة السَّلطنة على تعظيم قِيمة صادراتها، وذلك لِتَعزيزِ دَوْرها كمركزٍ اقتصادي رئيسٍ، خصوصًا في القِطاعات غير النِّفطيَّة مِثل السِّياحة واللوجستيَّات تُحقِّق تَقدُّمًا لافتًا، فالتَّوسُّع في هذه القِطاعات يُسهم بشكلٍ كبير في تقليل الاعتماد على النِّفط، وهو ما يُعزِّز التَّنوُّع الاقتصادي، وتكمن أهميَّة هذا التَّوسُّع في أنَّه يوفِّر فرصًا جديدة للعمل، ويُسهم في تحقيق رؤية «عُمان 2040» الَّتي تركِّز على بناء اقتصاد مستدام ومُتعدِّد المصادر، فالتَّقدُّم الَّذي حقَّقتْه سلطنة عُمان في مختلف القِطاعات الاقتصاديَّة يُعَدُّ انعكاسًا لاستراتيجيَّات مدروسة ومتوازنة تُواكِبُ متطلَّبات العصر، فالتَّحدِّيات الَّتي قد يواجهها الاقتصاد العُماني في المستقبل لن تمنعَ السَّلطنة من مواصلة تعزيز قدرتها على التكيُّف والنُّموِّ المستدام، بل على العكس فإنَّ هذه التَّحدِّيات قَدْ تكُونُ فرصةً جديدة لتطويرِ سياسات أكثر ابتكارًا، بما يَضْمن مستقبلًا اقتصاديًّا مزدهرًا.