الاثنين 28 أبريل 2025 م - 29 شوال 1446 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : عفوا ترامب .. فلسطين للفلسطينيين

أضواء كاشفة : عفوا ترامب .. فلسطين للفلسطينيين
الثلاثاء - 28 يناير 2025 02:06 م

ناصر بن سالم اليحمدي

20


يُخطئ الرَّئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عندما يعتقد أنَّ تفريغ فلسطين من سكَّانها الأصليِّين وتهجيرهم للدوَل المجاورة، كما طالب مصر والأردن، سيجلب السَّلام لمنطقة الشَّرق الأوسط كما يدَّعي، بل على العكس سيشعل النَّار أكثر ويُثير المشاكل ويزيد الأمر تعقيدًا.. فلو قلَّب في كتُب التَّاريخ لوَجدَ أنَّ الفلسطيني يرتبط بأرضه ارتباطًا وثيقًا ولا يُمكِن لأيِّ مغريات أن تجعلَه يتخلَّى عَنْها أو يتركَها وإلَّا لكانتْ كامل الأرض في أيدي «إسرائيل» منذُ عام 1948م. فالفلسطيني متمسِّك بأرضه، ولا يُمكِن بأيِّ حال من الأحوال أن يتركَها ويقطنَ في دَولة أخرى.. خصوصًا أنَّ مصر والأردن بالفعل تفتح أبوابها لمن يرغب من الفلسطينيِّين أن يلجأَ إِلَيْها، ولكن هذا لا يعني أن يكُونَ في نطاق التَّهجير الجماعي وتفريغ الأرض من سكَّانها فالفلسطيني لا يرغب سوى العيش في دَولته وأرضه وداره وليس في «وطن بديل» كما يتمنَّى ترامب.

لا شكَّ أنَّ تهجيرَ الفلسطينيِّين اليوم من قِطاع غزَّة وغدًا من الضفَّة الغربيَّة يُعَدُّ تصفيةً للقضيَّة بِرُمَّتها.. فلن يكُونَ هناك شَعب يُطالب بحقِّه في أرضه ودَولته وكان حَريًّا به أن يراجعَ ملف القضيَّة، ويعملَ على تنفيذ حلِّ الدَّولتَيْنِ الَّذي تمَّ التَّوصُّلِ له من قَبل على أرض الواقع بدلًا من السَّير في ركاب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو واللوبي الصهيوني الَّذي أسهم في وصوله لسدَّة الحكم لزيادة مساحة الاستعمار والاحتلال.

الغريب أنَّ ترامب أضفَى الصبغة الإنسانيَّة على طلباته بتهجير الفلسطينيِّين مدَّعيًا أنَّ قِطاع غزَّة مدَمَّر كُلِّيًّا ولا يستطيع الفلسطينيون العيش فيه؛ لذلك يريد بناء مساكن لهم على نفقة «البلدان العربيَّة» في أماكن مختلفة ليعيشوا بسلام. وهنا نسأل ترامب: مَن الَّذي حوَّل القِطاع لركامٍ وخراب؟ وهل ستتركهم «إسرائيل» وشأنهم لو وافقوا على التَّهجير الَّذي يُعَدُّ مستحيلًا؟!

إنَّ سياسة استعراض القوَّة الَّتي يتَّبعها ترامب مع جيرانه والدوَل العربيَّة، بل والعالَم أجمع ستجعله منبوذًا وغير مرغوب فيه.. فالكون ليس ملكه يتحكم فيه كيف يشاء فهو رئيس دَولة واحدة فقط وليس الكون كُلّه.. صحيح عِندَ عودته للبيت الأبيض كنَّا نتوقَّع مِنْه صدور قرارات شاذَّة وغير مدروسة، إلَّا أنَّ تصفيَّة القضيَّة الفلسطينيَّة خطٌّ أحمرُ عَلَيْه ألَّا يتجاوزَه؛ لأنَّ الدوَل العربيَّة جميعها موقفها ثابت تجاه دعم الشَّعب الفلسطيني وتقف خَلْفَه إلى أن ينالَ حقوقه المشروعة المنهوبة من قِبل قوَّات الاحتلال ولا تتهاون في ذلك.

على ترامب أن يدرسَ طبيعة الملفات جيِّدًا قَبل أن يتحدثَ فيها حتَّى لا يهرفَ بما لا يعرف، لا سِيَّما أنَّه رئيس أقوى دَولة.. فكُلُّ دَولة لها سياستها وطبيعتها وثوابتها وخطوطها الحمراء الَّتي تتعامل بها مع القضايا المختلفة، وليس من المنطق أن يتَّخذَ قرارات نيابةً عَنْها.. ولو تأمَّل الصُّمود التَّاريخي المُشرِّف الَّذي قدَّمه الفلسطينيون خلال حرب الإبادة الأخيرة الَّتي كانوا يشاهدون فيها الموت أمام أعْيُنهم كُلَّ يوم ومع ذلك تمسَّكوا بمبادئهم وأرضهم لأدركَ أنَّهم لن يتخلوا عَنْها أبدًا مهما حدَث، وأنَّ حقوقهم غير قابلة للمساومة.

كما على ترامب أن يعيَ أنَّ ما يجلب السَّلام والاستقرار لمنطقة الشَّرق الأوسط هو الالتزام بالقانون الدّولي والإنساني ومنح الفلسطينيِّين حقوقهم المشروعة، وإقامة دولتهم المُستقلَّة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشَّرقيَّة وبما يَضْمن وحدة قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة.. فالتَّمسُّك بالحقِّ لا يجلب الفوضَى، بل العكس ما تَشنُّه قوَّات الاحتلال الصهيوني من هجمات وغارات وحرب إبادة هو ما يشعل فتيل الخراب والدَّمار.

إنَّ الأردن للأردنيِّين ومصر للمصريِّين وفلسطين للفلسطينيِّين وهذا ما يَجِبُ أن يدركَه ترامب.. وشكرًا للردِّ الأردني والمصري الرَّافض للتَّهجير، ونتمنَّى أن يثوبَ ترامب لرشدِه ولا يستسلمَ للضُّغوط الصهيونيَّة، ويسعَى لِتَحقيقِ السَّلام العادل والشَّامل فهذا هو الطَّريق الوحيد لإقرار السَّلام والاستقرار في المنطقة.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني