الخميس 30 يناير 2025 م - 30 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

الكاتب سليمان المعمري : الأدب السردي فـي سلطنة عمان يتميز بالحضور الكثيف للبيئة والهواجس والتساؤلات

الكاتب سليمان المعمري : الأدب السردي فـي سلطنة عمان يتميز بالحضور الكثيف للبيئة والهواجس والتساؤلات
الاثنين - 27 يناير 2025 06:14 م
10


مسقط ـ العُمانية: (الثقافة هي المرآة التي تعكس قيم المجتمع وتراثه، والجسر الذي يصل الماضي بالحاضر من خلال الحفاظ على التراث، والترويج للفنون، وتشجيع الإبداع)، بهذه العبارة يصف الكاتب سليمان المعمري الثقافة بأنها (أداة لتعزيز الوحدة الوطنية وبناء مجتمع واعٍ ومتفاعل مع متغيرات العصر) وفق تعبيره. ويشير في حديث له لوكالة الأنباء العُمانية إلى أن الجوائز الثقافية تسلط الضوء على الجهود الثقافية المبذولة، وتكرم المبدعين، مما يشجعهم على مواصلة العطاء، وتكريمي من قبل النادي الثقافي هو تكريم لكل العاملين بجد في مجالات الثقافة والأدب والمعرفة، وللجهود التي تُبذل لتقديم صورة مشرفة للتنوع الثقافي العُماني على المستويين المحلي والعالمي، وتشجع الأجيال الجديدة على الانخراط في العمل الثقافي والإبداعي، كما أن الجوائز الثقافية في العالم العربي تلعب دورًا مهمًّا في دعم الكُتّاب من الناحيتين المادية والمعنوية؛ فمن الناحية المادية، توفِّر هذه الجوائز مكافآت مالية تُسهم في تحسين الظروف المعيشية للكاتب، وتتيح له التفرغ لمشاريعه الأدبية. أما من الناحية المعنوية، فإن التكريم والاعتراف الذي يحصل عليه الكاتب من خلال الفوز بجائزة مرموقة يعزز مكانته الأدبية ويزيد من انتشار أعماله. ومع ذلك، تُثار أحيانًا تساؤلات حول مدى إنصاف هذه الجوائز لإبداع الكاتب، خاصة وأن أغلبها يأتي في إطار مؤسسي رسمي. وليس سرًّا القول إن الجوائز الأدبية في العالم العربي قد تخضع أحيانًا لتجاذبات سياسية وأيديولوجية، مما قد يؤثر على نزاهة الاختيار ويُغيّب الإبداع المتحرر من القيود. وعن إسهام مؤسسات المجتمع المدني في النهوض بالكاتب ونتاجه يقول المعمري: لها دور لا يمكن تجاهله، رغم محدودية إمكاناتها المادية، ومواجهتها تحديات تتعلق بالتمويل والاستقلالية. على سبيل المثال، تبذل الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء جهدًا مشكورًا من خلال مشروعين مستدامين هما: النشر السنوي لإنتاجات المؤلفين العُمانيين، وجائزتها السنوية متعددة الأجناس الأدبية والثقافية. أما مؤسسة بيت الزبير فقد استطاعت في السنوات الأخيرة أن تنظّم فعاليات ثقافية نوعية كان لها أثر كبير في النهوض بالكاتب العُماني وإنتاجه. ويوضِّح المعمري الذي من بين إصداراته (عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل)، و(بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسي)، دور الإعلام في دعم الأدب بسلطنة عُمان، حيث يشير إلى أهمية الإعلام التقليدي والرقمي في نشر الثقافة العمانية، فيوضح: يتمثل ذلك في التجربة الشخصية في تقديم البرامج الثقافية عبر إذاعة سلطنة عُمان مثل (المشهد الثقافي) الذي يغطي الفعاليات الثقافية العمانية أسبوعيًّا، وبرنامج (نوافذ ثقافية) الذي يفتح نافذة على العالم العربي، إضافة إلى الحرص على إنتاج برامج ثقافية تستضيف الكتّاب العمانيين وتناقش أعمالهم، ما يسهم في تعريف الجمهور بإبداعاتهم ودعمهم، مرورًا بمشروع الكتاب الصوتي في منصة (عين) الذي أتاح سماع خمسين كتابًا عُمانيًّا، كذلك برنامج (كتاب أعجبني) و(القارئ الصغير) لتشجيع القرّاء كبارًا وصغارًا، كما أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعّالة لتقريب الجمهور من الأدب العُماني وتعزيز قيمته في المشهد الثقافي المحلي والدولي من خلال تقديم محتوى رقمي مبتكر، والترويج للفعاليات الأدبية والأمسيات الشعرية. وحول ما يريد أن يقدمه الكاتب المعمري للقارئ عادة من خلال أعماله الأدبية كثيمة موحّدة، والفروقات في تلك الأعمال بما فيها (ربما لأنه رجل مهزوم) و(الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة) و(الذي لا يحب جمال عبد الناصر)، يقول: الكاتب هو حصيلة همومه وهواجسه وانشغالاته، وأسئلته الوجودية، وتفاعله مع بيئته والناس المحيطين به، وهذه كلها تظهر في كتاباته، سواء نَظَمَتْها ثيمة موحدة أو عدة ثيمات ، عوالم (ربما لأنه رجل مهزوم) تدور معظمها في الغرفة الجامعية والهموم الذاتية لشاب صغير للكاد بدأ يتنفس أكسجين الحياة، بينما كانت (الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة) تعبيرًا آخر، أزعم أنه أكثر فنية، عن هذه الهموم والهواجس التي ينشغل بها شابٌّ عُماني منفعل مع محيطه. في (كائنات الردة) انشغلتُ بالمكان وناسه (قريتي «الردة» تحديدًا) ولكن من خلال تفاعلي الخاص مع هذا المكان بناسه ودكاكينه وحيواناته وفراشاته. أما (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) فهي تعبير عن انفعالي بما يجري في الوطن العربي من أحداث وتغيّرات كان لها تأثير كبير على المجتمع العربي ككل، بما في ذلك المجتمع العُماني. باختصار، فإن كل عمل أدبي يصدره الكاتب هو نتيجة انفعاله بِهَمٍّ ما يشغله ويؤرقه لحظة الكتابة، قد تتكرر هذه الهموم في أعمال لاحقة، وقد تتغيّر إلى هموم أخرى جديدة. ويتحدث (المعمري) عن أهم المفردات الأدبية والأفكار التي عادة يتقاطع فيها الأدبالعُماني السردي في طرحها من خلال كتّابه وما يميز هذا الأدب عن غيره من الأدبي الخليجي والعربي ويوضح: ثمة موضوعات وأفكار تتقاطع فيها العديد من المفردات الأدبية المشتركة بين الكُتّاب. من أبرز هذه الموضوعات القضايا الإنسانية الشاملة مثل: الحب والألم والغربة والبحث عن الهوية، ويعكس الكُتّاب تجارب إنسانية عميقة تتناول مشاعر الفرح والحزن والتحديات التي تواجه الناس في مسارات حياتهم، يمكنني أن أمثل على هذا برواية (تبكي الأرض يضحك زحل) لعبد العزيز الفارسي. كما أبرز السرد العُماني ولا يزال التراث والبيئات المتنوعة في سلطنة عُمان، مسلطًا الضوء على العادات والتقاليد والموروثات الثقافية، ويمكن التمثيل على ذلك بروايات زهران القاسمي وبشرى خلفان ورحمة المغيزوية. ويحضر التعبير عن القلق الوجودي وغربة الفرد في المجتمع، وتناول الصراعات الداخلية والتأملات النفسية التي تعكس حالة الإنسان المعاصر، كما هي الحال في روايات حسين العبري وهدى حمد والنصوص السردية لسماء عيسى وعبدالله حبيب. ولا يغيب عن السرد العُماني الاهتمام بالتاريخ السياسي والاجتماعي، حيث تُستحضر الأحداث المفصلية والتحولات الكبرى التي شهدتها عُمان، مما يتيح فهمًا أعمق للسياق التاريخي والاجتماعي، ويمكن التمثيل على ذلك بروايات جوخة الحارثي وعلي المعمري وأحمد الزبيدي وبشرى خلفان، وقبلهم عبدالله الطائي. كما أن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة وانعكاساتها على الواقع المحلي وجدت صداها في بعض الأعمال السردية، كما في رواية حمود الشكيلي (صرخة واحدة لا تكفي) ورواية سعيد الهاشمي (تعويبة الظل). هذا عدا أن هموم المرأة العُمانية وتجاربها حاضرة في كثير من الروايات التي تكتبها الكاتبات العُمانيات. ويضيف: أما ما يميز أدبنا السردي عن غيره من الأدب المكتوب في الخليج أو الوطن العربي، فهو الحضور الكثيف للبيئة العُمانية فيه والهواجس والأسئلة التي تشغل الإنسان في سلطنة عُمان تحديدًا، ولكن استطاع أدباؤنا الخروج بها من شرنقة المكان الضيّق إلى شرفة الهمّ الإنساني الكوني، وأظن أن هذا بالذات ما أهّل رواية (سيدات القمر) لجوخة الحارثي للفوز بجائزة (مان بوكر)، ورواية (تغريبة القافر) لزهران القاسمي للفوز بالبوكر العربية، وهو السبب نفسه الذي أهّل رواية (دلشاد) لبشرى خلفان للفوز ورواية (الحرب) لمحمد اليحيائي للفوز بجائزة كتارا في سنتين متتاليتين، وكذلك صعود روايات هدى حمد ومحمد العجمي للقوائم النهائية للجوائز العربية. وفيما يتعلق بمدى تأثير البيئة المحيطة واتجاهاتها الثقافية والفكرية في تشكيل هوية الكتابة لدى المعمري، ورؤيته لمستقبل العمل السردي الروائي في سلطنة عُمان خلال الفترة المقبلة يقول: للبيئة المحيطة بي دور مهم في تشكيل هوية الكتابة لدي، سواء من ناحية الموضوعات التي أتناولها، أو الشخصيات التي أعبّر عنها، أو أتخذها تكئة سردية للتعبير عما أود قوله. بالإضافة إلى ذلك فالمكان عنصر جوهري في السرد الأدبي، ولا يقتصر دوره على كونه مسرحًا للأحداث، بل يمتد ليعكس التجارب والخبرات والذاكرة الجمعية للمجتمع، وأظن هذا ما حاولتُه في كتابي (كائنات الردة) الذي سعيت فيه من خلال كتابتي عن شخصيات الردة المتنوعة، من جدي خليفة، إلى الحلاق شوزيت، وليس انتهاء بالطفلة شهد، إلى كتابة التاريخ الشعبي لهذه المُدَيْنة (تصغير مدينة) من خلال تفاعل هذه الشخصيات مع المكان العُماني، وإضافتهم إليه. بالنسبة لقراءة مستقبل السرد في سلطنة عُمان في العشر سنوات المقبلة فإنني أرى أنه سيستمر حصد ثمار العمل المضني الذي بذله القصاصون والروائيون العُمانيون في مطلع هذه الألفية.