الخميس 30 يناير 2025 م - 30 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

مقاربات جديدة للقضية الفلسطينية فرضتها الحرب على غزة

مقاربات جديدة للقضية الفلسطينية فرضتها الحرب على غزة
الاثنين - 27 يناير 2025 02:30 م

محمد عبد الصادق

10


بعيدًا عن اللَّغط الدَّائر حَوْلَ الأحداث في غزَّة، وجدليَّة المقاوَمة والانتصار، هناك واقع أليم تعيشه القضيَّة الفلسطينيَّة اليوم، فلم يَعُد التَّهجير والدَّمار مقصورًا على قِطاع غزَّة، بل يُهدِّد الوجود الفلسطيني داخل الأرض المُحتلَّة منذُ العام 1948، بعد أن كرَّرتْ آلةُ الحرب «الإسرائيليَّة»، جريمة الإبادة الجماعيَّة ضدَّ سكَّان مُخيَّم جنين، قَبل أن تتوقفَ الإبادة في غزَّة، وتجاهرَ بنيَّتها استئناف العدوان بمجرَّد عودة أسراها المحتجزين لدَى المقاوَمة الفلسطينيَّة، في ظلِّ انحياز أميركي، ومحاولة إرضاء نتنياهو وعصابته، على حساب الشَّعب الفلسطيني.

صحيح نجحتْ انتفاضة الأقصى في إعادة القضيَّة الفلسطينيَّة إلى الواجهة، ولكن لا أحَد يستطيع الجزم، بالوجهة الَّتي تنتظر الفلسطينيِّين في المستقبل في ظلِّ موقف عربي خامل، عجز عن اتِّخاذ موقف طوال خمسة عشر شهرًا، لوقفِ العدوان أو محاولة لَجْمِ «إسرائيل»، وموقف دولي منحاز لوجهة النَّظر «الإسرائيليَّة»، الَّتي تتطابق مع التَّوَجُّهات الأميركيَّة، الَّتي لا ترى القضيَّة الفلسطينيَّة، إلَّا في إطار صفقة تشمل دوَل المنطقة وعلاقتها بـ»إسرائيل»، الشَّيء الوحيد الَّذي يُمكِن أن تعوِّلَ عَلَيْه القضيَّة، هو صمود الشَّعب الفلسطيني وصبره على مواجهة العدوان، الَّذي فشلَ في كسر إراداته.

هناك إدارة أميركيَّة جديدة أشدُّ انحيازًا، سبَق وأعلنتِ القدس عاصمة لـ»إسرائيل»، وأوقفتْ تمويل الأونروا، وترفضُ إقامة الدَّولة الفلسطينيَّة، الأمْرُ الَّذي يستلزم إعادة النَّظر في مستقبل الصِّراع العربي ـ «الإسرائيلي»، في ظلِّ اختلال ميزان القوى لصالح الكيان الصهيوني، وتفاقم الفشل العربي في التَّعاطي مع الملف الفلسطيني، وتنامي الرَّغبة لدَى عددٍ لا بأس به من دوَل المنطقة في قَبول التَّعامل مع «إسرائيل» دُونَ شروط أو تنازلات لصالح القضيَّة الفلسطينيَّة.

لا بُدَّ من إدارة الصِّراع مع المُحتلِّ بفكرٍ جديد، دُونَ الاستسلام له، وإيجاد بدائل لمسارات التَّفاوض السَّابقة الَّتي ثبتَ فشلُها، على أن يستندَ أيُّ خيار جديد إلى الثَّوابت الوطنيَّة الَّتي يَجِبُ التَّمسُّك بها، والحرص على استمرار النِّضال بكافَّة أشكاله، والحفاظ على حقِّ الشَّعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وحقِّه في الاستقلال والحُريَّة، حيثُ إنَّ التَّنازلات الفلسطينيَّة السَّابقة، أوجدتْ مناخًا لدَى أميركا والغرب، باستسهال الضَّغط على المفاوِض الفلسطيني، وإجباره على التَّنازل عن حقوقه، وتَبنِّي وجهة النَّظر «الإسرائيليَّة»، الَّتي ترَى الفلسطيني تهديدًا لأمن المنطقة، ومستقبل اليهود حَوْلَ العالَم. تحاول «إسرائيل» خلط الأوراق، وإغراق القضيَّة الفلسطينيَّة، في حالة الفوضى الإقليميَّة، واعتبارها إحدى أذرع الصِّراع الإقليمي، الَّذي يَجِبُ أن يحتشدَ الغرب للانخراط فيه إلى جانبها للقضاء على أعدائها الإقليميِّين، وهذا ما عبَّر عَنْه نتنياهو صراحة، عِندَما قال إنَّ الحربَ القائمة ستُحدث تغييرًا شاملًا في الشَّرق الأوسط، وكان يقصد بالطَّبع تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة الهدف الحقيقي لـ»إسرائيل».

طالَما استفادتْ «إسرائيل» من غياب التَّوافق الفلسطيني، وعملتْ على تأجيج الخلافات بَيْنَ الفصائل الفلسطينيَّة، من أجْلِ إضعافها جميعًا، والتَّهرُّب من التزامات الحلول السِّلميَّة للقضيَّة، وعدم الجلوس على مائدة التَّفاوض، بحجَّة عدم وجود شريك فلسطيني، وللأسف لم تستوعبِ الفصائل الفلسطينيَّة الدَّرس وما زالوا يتصارعون على مكاسبَ وهميَّة، حتَّى بعد دمار غزَّة وضمِّ القدس واستباحة الضفَّة الغربيَّة، فعلى أيِّ سُلطة يتصارعون، بَيْنَما تحرق «إسرائيل» الأرض وتمارس الإبادة الجماعيَّة ضدَّ الفلسطينيِّين، وشبح التَّهجير يلوح في الأُفق بعد طلب الرَّئيس الأميركي الجديد، من مصر والأردن استقبال مزيدٍ من منكوبي غزَّة.

هناك حاجة مُلحَّة لوحدة الصَّف الفلسطيني في مواجهة التَّهديدات «الإسرائيليَّة»، والتَّحدِّيات الإقليميَّة، وإيجاد توافُق سياسي يجهض الخطط الصهيونيَّة، ويربك حسابات «إسرائيل» السَّاعية لتصفيَّة القضيَّة، والعمل صفًّا واحدًا في سبيل البناء على ما تحقَّق من اعتراف عددٍ من الدوَل الأوروبيَّة واللاتينيَّة بالحقِّ في إقامة الدَّولة الفلسطينيَّة.

محمد عبد الصادق

[email protected]

كاتب صحفي مصري