الخميس 30 يناير 2025 م - 30 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

كيف يصبح التعليم أداة للتحرر والإبداع؟

كيف يصبح التعليم أداة للتحرر والإبداع؟
إبراهيم بدوي
الاثنين - 27 يناير 2025 02:28 م

إبراهيم بدوي

10

لقَدْ تناولتُ في العديد من مقالاتي السَّابقة قضيَّة التَّعليم وجودته؛ نظرًا لأهميَّة هذه القضيَّة في صناعة الفارق في المستقبل، فالحديث عن التَّعليم ليس مجرَّد حديث عن منهج أو مواعيد دراسيَّة، بل هو حديث عن مستقبل الأجيال القادمة وأدواتهم لمواجهة التَّحدِّيات الَّتي تنتظرهم، وأعتقد أنَّني وقعتُ في فخٍّ كنتُ أحاول الهروب مِنْه، وهو الحديث عن التَّعليم بصورةٍ مثاليَّة قد تكُونُ بعيدة عن الواقع، على الرَّغم من أنَّنا نَعْلَم جميعًا أنَّ الفجوة بَيْنَ ما نتمنَّاه وما هو موجود أكبر ممَّا نتخيَّل. فمنظومة التَّعليم في الوطن العربي، رغم بعض الجهود المبذولة في تطويرها، لا تزال تحتاج إلى مراجعة عميقة، لا تقتصر فقط على تعديل المناهج أو تحديث التقنيَّات التَّعليميَّة، بل يَجِبُ أن تمتدَّ إلى تغيير جوهري في فلسفة التَّعليم ذاته.

في ظلِّ الأنظمة التَّعليميَّة التَّقليديَّة، ما زلنا نُعاني من سيطرة المنهج التَّلقيني الَّذي يُقيِّد التَّفكير ويُحوِّل العمليَّة التَّعليميَّة إلى مجرَّد حفظ وتكرار، فلا يُمكِن تجاهل أنَّ التَّعليمَ في كثير من الدوَل العربيَّة لا يُعزِّز التَّفكير النَّقدي ولا يفتح آفاق الإبداع، وماذا لو تخيَّلنا طفلًا عربيًّا نشأ في بيئة لم يجدْ فيها الأدوات الأساسيَّة الَّتي نستورِدها كالطَّعام والكساء والتكنولوجيا؟ هل سيكُونُ قادرًا على بناء منظومة متطوِّرة تتماشى مع تحدِّيات العصر الحالي؟ أو حتَّى مع تحدِّيات العصور الَّتي سبقتنا؟ وما هي فرص بقاء هذا الطِّفل في ظلِّ عالَم يزداد تعقيدًا؟ هل سيستطيع أن ينافسَ في عالَم يعتمد على التَّطوُّر المستمر؟ هذا السُّؤال يَجِبُ أن يفتحَ أمامنا أُفقًا جديدًا للتَّفكير في كيفيَّة تمكين الأجيال القادمة من أدوات المعرفة الَّتي تجعلهم قادرين على بناء مستقبلهم، بِغَضِّ النَّظر عن الظُّروف المحيطة. من خلال تجربتي الشَّخصيَّة، أرى أنَّ التَّعليمَ الَّذي يعتمد على التَّلقين يغلق أبواب الإبداع، قد يكُونُ هذا النَّوع من التَّعليم مفيدًا لبعض الجوانب الأكاديميَّة، لكنَّه لا يُسهم في بناء شخصيَّة متكاملة، كما لا يطوِّر مهارات التَّفكير النَّقدي، إنَّما التَّعليم الَّذي يُحفِّز على التَّفكير، ويُشجِّع الطلَّاب على التَّساؤل والبحث، هو الَّذي يُمكِنه إعدادهم لمواجهةِ التَّحدِّيات المستقبليَّة. وأخشى أن يكُونَ الإصرار على التَّعليم التَّلقيني نصيحة أمنيَّة تسعَى للسَّيطرة على العقول، وهنا يصبح هذا النَّوع من التَّعليم أداةً تُستخدم لِتَشكيلِ عقول الطلَّاب على نمطٍ محدَّد، دُونَ أن تُتاحَ لهم الفرصة لاكتشاف آفاقهم الخاصَّة أو التَّفكير بحُريَّة. إذًا فالإصرار على التَّعليم التَّلقيني يجعلنا نفقد فقط الفرصة لبناء أجيال قادرة على الابتكار والمنافسة، لِنفقدَ أيضًا الفرصة لِنكُونَ عنصرًا فاعلًا في المستقبل، فكيف يُمكِن لطلَّابنا أن يواجهوا عالَمًا يعتمد على الذَّكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المُتطوِّرة، والابتكار المستمرِّ إذا كانوا قد تربَّوا على منهج يحدُّ من قدرتهم على التَّفكير النَّقدي والاستكشاف؟ إنَّ التَّعليم الَّذي أطمحُ له لأبنائي لا يَجِبُ أن يركِّزَ على الحفظ والتّكرار، بل تعليم يفتح أمامهم آفاقًا واسعة من التَّفكير النَّقدي والإبداع، أريد أن أراهم يفكِّرون بشكلٍ مستقلٍّ، ويتعلمون كيفيَّة استخدام الأدوات الحديثة لصياغة حلولٍ لمشاكلَ مُعقَّدة، أريد لهم أن يتعلموا كيف يواجهون التَّحدِّيات، ويبتكرون في عالَم يتغيَّر بسرعة، هذا هو التَّعليم الَّذي يُمكِنه إعدادهم لمستقبل يعجُّ بالفرص والتَّحدِّيات، ويعطيهم الأدوات اللازمة لتطويرِ أنْفُسهم والمساهمة في بناء المُجتمع، فالنِّظام التَّعليمي الَّذي أحلم به، لا يزوِّد الطلَّاب بالمعرفة فقط، بل يُعزِّز مهاراتهم الحياتيَّة ويُعلِّمهم كيفيَّة استخدام أدوات العصر برؤية نقديَّة، فنحن بحاجةٍ إلى تعليم يحفِّز الخيال وتطوير القدرة على الابتكار، لِيصبحَ أبناؤنا قادةً في مجالاتهم، يمتلكون الأدوات اللازمة للتكيُّف مع عالَم سريع التَّغيُّر، في النِّهاية، إذا أردنا أن نرَى تغييرًا حقيقيًّا في نظامنا التَّعليمي، يَجِبُ أن نبدأ من الدَّاخل. يَجِبُ أن نُعيدَ التَّفكير في ما نعلمه وكيف نعلمه، وماذا نريد من تعليمه؟

إبراهيم بدوي

[email protected]