الخميس 30 يناير 2025 م - 30 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

عالم لا يمكن غلق نوافذه

عالم لا يمكن غلق نوافذه
الاثنين - 27 يناير 2025 02:27 م

أحمد صبري

10


لم يكُنِ الإعلام الرَّقمي مجرَّد عالم تسبح في فضائه آلاف القنوات والإذاعات ومواقع التَّواصُل الاجتماعي، وإنَّما كان عالَمًا تغيَّرت فيه قواعد واشتراطات العيش، في مشهد تهاوتْ أمامه كُلُّ المصدَّات الَّتي كانتْ تَحُول دُونَ فتْحِ الأبواب المشرعة لِتدخلَ إلى حياة الإنسان والمُجتمع وسُوق للمنافسة، يتصدر فيها الإعلام الرَّقمي بكُلِّ تقنيَّاته لِيكُونَ لاعبًا مؤثِّرًا في حلبة الصِّراع بَيْنَ الكبار لِسَبرِ أغواره والتَّوقُّف عِندَ اتِّجاهاته.

ومن بَيْنِ المئات من القنوات الفضائيَّة لا نجدُ قناةً فضائيَّة تنطق بالحقِّ المجرَّد من الأغراض والمصالح، ولا من بَيْنِ تلك القنوات هدفها إيصال الحقيقة المجرَّدة للجمهور المُتلقِّي صادقة بِدُونِ تحريف أو تشويه ممَّا يخدم مقاصد وغايات خاصَّة بهذه الفضائيَّة أو تلك.

في تفاصيل المشهد الإعلامي فإنَّ الواقع الحقيقي الَّذي يحصل على الأرض بالفعل تنقله كُلُّ قناة كان مشوّهًا أو معدَّلًا حسبما تقتضيه المصلحة المادِّيَّة أو السِّياسيَّة أو غيرها من المصالح الخاصَّة والَّتي لا علاقة لها بمصالح وطموحات ومشاغل الأُمَّة أو الوطن أو المواطن، ناهيك عن إخفاقها في متابعتها للأحداث والوقائع الَّتي تعصف بالمنطقة، بموضوعيَّة ومسؤوليَّة تخدم الأُمَّة ومصالحها دُونَ الانحياز إلى أيِّ جهةٍ أخرى. غير أنَّ واقع الحال يُشير إلى مُعْظم القنوات القائمة منحازة فعلًا وتخدم مصالح دوَل أو أفراد.

من هذا الاستنتاج والرُّؤية الواقعيَّة تكمن أهميَّة وجود قنوات ووسائل إعلام هدفها الأوَّل والأخير هو خدمة الجمهور وبثُّ الوعي، وهذه المسؤوليَّة المُلحَّة تقع على عاتق المثقَّفين العرب الواعين لأهميَّة ودَوْر وسائل الإعلام في حماية المُجتمعات من سُموم الغزو الفضائي، وتحصين المُجتمع من فيروساته، وتعميم الأفكار البنَّاءة النَّافعة للفرد والمُجتمع عمومًا.

فوسائل الإعلام الَّتي يتطلع إِلَيْها الجمهور ينبغي أن تكُونَ مرآةً للمُجتمع ولخدمته، وليسَتْ سُوقًا وساحة للإعلانات، تغوص في عُمق التُّراث العربي وعُمق أصالته ودَوْره المؤثِّر في حياة الإنسانيَّة لِتستخرجَ مِنْه العِبَر والدُّروس بعقليَّة منفتحة. طاردة لثقافة الإقصاء والكراهية تتصدَّى للواقع العربي فتبرز إيجابيَّاته وتشخِّص الخلَل فيه بروحيَّة مُتجدِّدة ومُنصِفة.

والمنصَّة الإعلاميَّة الَّتي نطمح، ينبغي أن تستهدفَ الجمهور بنشراتٍ وبرامجَ إخباريَّة ووثائقيَّات مُنوَّعة، وتوفِّر تغطية دقيقة للأحداث لوضعِ المشاهد في صورة المشهد بتوخِّي الدقَّة في نقلِ الأحداث بموضوعيَّة ونزاهة عَبْرَ برامج تفاعليَّة تعكس الاهتمام بمشاغل وهموم المواطن وتطلُّعاته أيْنَما يكُونُ بما يُثري حياة الجمهور بالمعلومات والثَّقافة في مختلف المجالات لِتكُونَ مصدرًا مُهمًّا للمشاهدِين وللباحثين عن الحقيقة.

واشتراطات النَّجاح لأيِّ مشروع إعلامي ينبغي أن يستندَ إلى السُّرعة والدقَّة في صياغة الأخبار والتَّقارير غير المنحازة، واعتماد الموضوعيَّة في طرح القضايا ومناقشتها باعتماد معايير الحياديَّة والدقَّة والمهنيَّة، والابتعاد عن الخِطاب التَّحريضي والشَّحن الطَّائفي، وإشاعة ثقافة التَّسامح والقَبول بالآخر، إضافةً إلى التَّأكيد على حُريَّة الرَّأي والتَّعبير، ويشمل هذا الحقُّ حُريَّة اعتناق الآراء دُونَ تدخُّل، وعرضها للجمهور دُونَ قُيود.

ونستخلص بالقول: إنَّ المتحققَ في عرض أولويَّات الإعلام الرَّقمي كان مبهرًا لجهة التَّأثير وإشاعة روح القِيَم الجديدة الَّتي نحتاج لترسيخِها أدوات ووسائل هدفها الإنسان وحاجاته، وتيسيرها كمظلَّة واقية لصدِّ سُموم وفيروسات الغزو الفضائي المضادِّ الَّذي يتحيَّن الفرص لغلقِ أبواب العالَم الرَّقمي الَّذي تحوَّل إلى عالَم لا يُمكِن سدُّ نوافذه.

أحمد صبري

كاتب عراقي

[email protected]