الخميس 03 يوليو 2025 م - 7 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

الاستقرار السياسي ومشروعية السلطة وارتباطهما بالثقة ورضا المجتمع

الاستقرار السياسي ومشروعية السلطة وارتباطهما بالثقة ورضا المجتمع
الأحد - 26 يناير 2025 02:33 م

محمد بن سعيد الفطيسي

10


لا شكَّ أنَّ أيَّ قيادة سياسيَّة وسُلطة حاكمة ترغب في النَّأي بِنَفْسها بعيدًا عن المعارضة والاختلاف غير الطَّبيعي مع المواطنِين والتيَّارات السِّياسيَّة الدَّاخليَّة، يَجِب عَلَيْها أن تعملَ على قضايا تعزيز الثِّقة والتَّقارب مع المُجتمع والأحزاب السِّياسيَّة (الأنظمة السِّياسيَّة الَّتي تتكوَّنُ من أحزاب) بقدر المستطاع.

ولا يُقلِّل الاختلاف بَيْنَ النِّظام الحاكم والمواطنِين أو الأحزاب السِّياسيَّة والمعارضة ومؤسَّسات المُجتمع الوطني حَوْلَ القضايا الوطنيَّة والتَّنمويَّة من مشروعيَّة النِّظام أو مصداقيَّة القيادة، إلَّا أنَّ دائرة الاختلافات يَجِبُ أن تبقَى ضيِّقة، وفي حدود قدرة أطراف العمليَّة السِّياسيَّة على إدارتها والوصول إلى تفاهمات وسطيَّة حَوْلَها بكُلِّ شفافيَّة ومصداقيَّة، وأن تبقَى كذلك في إطارٍ من المسؤوليَّة الوطنيَّة وفي الدَّاخل الوطني.

الإشكال الحقيقي يترتب على الخلافات النَّاتجة عن ضعفِ المصداقيَّة والشَّفافيَّة والثِّقة في السُّلطة، الخلافات المترتِّبة عن القضايا الرَّئيسة الَّتي تصبُّ في صُلب الحياة الوطنيَّة والنَّاتجة عن ضعف الإدارة أو الفساد أو انتهاك حقوق الإنسان والديموقراطيَّة، ما يؤدِّي إلى اتِّساع هوَّة العلاقة الَّتي تربط بَيْنَ الحاكم والشَّعب، أو بَيْنَ الحكومة والمواطنِين، واتِّساع دائرة الشَّك والرِّيبة بَيْنَ المواطنِين من جهة والحكومة والنِّظام الحاكم من جهةٍ أخرى، حتَّى يصلَ المُجتمع بتلك العلاقة إلى درجة الانفصال النَّفْسي وعدم الاعتراف الدَّاخلي الَّذي يستقرُّ في الضَّمير والشَّخصيَّة المُجتمعيَّة، ومع الوقت تصل الحالة السِّياسيَّة إلى مرحلة الصِّدام.

ونستمرُّ في الحديث عن الثِّقة السِّياسيَّة كمعيارٍ من معايير المشروعيَّة وتحقيق الاستقرار الوطني، فالثِّقة السِّياسيَّة هي «قِيمة أخلاقيَّة ومعيار من معايير الإيمان بالطَّرف الآخر أي الطَّرف القائم على إدارة الشُّؤون العامَّة في أيِّ أُمَّة وطنيَّة كالحاكم والمسؤولين والمؤسَّسات والقانون والخطط والتَّوَجُّهات وغير ذلك، وافتقادها يعني فقدان الرَّابط الأخلاقي والفكري والنَّفْسي بَيْنَ أطراف الإنتاج والبناء الوطني».

استنادًا إلى ذلك يؤكِّد جاك سيتري Jack Citrin أنَّ انعدامَ الثِّقة هي حالة تُعبِّر عن سخط الرَّأي العامِّ تجاه النِّظام بسبب فشل الحكومة في «تلبية احتياجات أو تلبية توقُّعات المواطنِين، الأمْرُ الَّذي يؤدِّي إلى تآكُل الشَّرعيَّة السِّياسيَّة».

عَلَيْه، فإنَّ الوسيلة الوحيدة لاستقرار الأنظمة السِّياسيَّة اليوم مرتبطة بقاعدة اجتماعيَّة وسياسيَّة تاريخيَّة واحدة وهي بِدَوْرها مرتبطة بالثَّقافة السِّياسيَّة الجديدة والَّتي تفرضها استراتيجيَّة التَّنمية السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والإصلاح وتحديث المؤسَّسات بما يواكب المرحلة الحضاريَّة الرَّاهنة، وتلك القاعدة تقوم على: التَّشاركيَّة الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة، بحيث يَجِبُ أن تدركَ الأنظمة السِّياسيَّة الحاكمة أنَّ العصا الغليظة لا يُمكِن لها أن تحقِّقَ النَّتائج المرجوَّة دائمًا كما يدَّعي البعض، أو أنَّ مَن يملكها لدَيْه الفرصة المُثلَى لفرضِ تعريفاته على الواقع.

كما أنَّ المُجتمع الواعي لضرورات المرحلة التَّاريخيَّة يدرك تمام الإدراك بأنَّه مطالب بالمَثل؛ أي بالمساهمة في نَشْرِ الوعي السِّياسي والتَّاريخي بأهميَّة الاستقرار المرحلي والوطني وعدم الانسياق وراء المصالح الشَّخصيَّة والرَّغبات الآنيَّة والانشقاقات والتَّشاققات والتَّجاذبات والصِّراعات الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة الدَّاخليَّة، تجنُّبًا للدُّخول إلى مرحلة الصِّراعات والنِّزاعات والحروب الأهليَّة وبالتَّالي فتح الباب في كثير من الأحيان للتَّدخُلات الخارجيَّة في الدَّولة.

وتأسيسًا على ذلك، نتصوَّر أنَّ الوسيلةَ العمليَّة الممكنة لتقليصِ تلك التَّحدِّيات والخلافات هو التَّفاعل والتَّشارك بَيْنَ «الحاكم والمحكوم اجتماعيًّا وضِمْن حدود الفضيلة الأخلاقيَّة الَّتي تركِّز على فضيلة الوسط أو الوسطيَّة، الأمْرُ الَّذي يخدم هدف بَلْوَرة ارتباط ووحدة اجتماعيَّة أقوى، أو كما يُسمِّيه أرسطو بـ»وحدة المشاعر» وهذه الوحدة تعني تحقيق انسجام قائم على فضيلة الوسط بَيْنَ المُجتمع والذَّات من جهة، والمُجتمع والدَّولة من جهة أخرى».

•بتصرُّف من مؤلّف غير منشور لي بعنوان: تحدِّيات السُّلطة السِّياسيَّة في الدَّولة الحديثة (دراسة تحليليَّة نقديَّة في إشكاليَّات المشروعيَّة ومعوِّقات الحُريَّة والديموقراطيَّة في الأنظمة السِّياسيَّة المعاصرة)

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @