على الرَّغم من أنَّ مؤرِّخي مؤسَّسة الرِّئاسة الأميركيَّة الرَّسميِّين قد عدُّوا الرَّئيس الأميركي الرَّاحل، «جيمي كارتر»، من الرُّؤساء الأدنَى أهميَّة، مقارنةً برؤساء آخرين أتوا قد تركوا بصماتٍ مُهمَّة في التَّاريخ الأميركي والعالَمي، من نمط رونالد ريجان، إلَّا أنَّ وفاة كارتر قَبل بضعة أيَّام قد أماطتِ اللّثام عن شَعبيَّة كبيرة جدًّا انتْ خافيةً عن الأنظار.
وأسباب هذه الشَّعبيَّة ليسَتْ بعيدة المنال، إذ يُمكِن أنْ تكُونَ مصدرًا تعليميًّا للعديد من القادة في العالَم كَيْ يحذوا حَذْوَه علی سبیل ترسيخ حُكمهم من خلال مَحبَّة الجماهير لَهُم، ناهيك عن استذكارهم بالثیر من العواطف الخالصة بعدئذ.
أحَد أهمِّ هذه الأسباب الَّتي ارتقتْ بكارتر إلى أعلَى مراتب الشُّيوع والشَّعبيَّة يتلخَّص في نشأته المتواضعة والفقيرة: (1) من فتى يافع يعمل بمزرعة عائلته لزراعة الفول السُّوداني إلى حاكم لولاية جورجيا، ثمَّ إلى رئيس الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة (1977-1981)؛ (2) تواصله مع الطَّبقات الفقيرة أثناء ولايته الوحيدة اليتيمة (هو واحد من قلائل الرُّؤساء الأميركان الَّذين لم يحظَوا بالانتخاب لولاية إضافيَّة من 4 سنوات). لقَدِ اشتهرَ كارتر بتعاطفه مع الفئات الاجتماعيَّة المتواضعة مِثل السُّود ومع الفلَّاحِين والمزارعِين من أشباه وأمثال أُسرتِه الأصل، ناهيك عن أعماله الأخرى الَّتي تنطوي على حُبِّه للسَّلام والديمقراطيَّة، من نَوع تأسيس «مركز كارتر لِنَشرِ الديمقراطيَّة» بعد خروجه من البَيْتِ الأبيض.
وقد كرَّس كارتر حُبَّه لفعلِ الخير وإيمانِه بإمكانيَّة تحقيق السَّلام في الشَّرق الأوسط، ونستذكر جميعًا جهده في هذا المضمار، أي حين جمع الرَّئيس المصري الرَّاحل المرحوم أنور السَّادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيجن، لتوقيع اتفاقيَّة «كامب ديفيد» للسَّلام الَّتي أرستْ أساسًا صلبًا لعمليَّة السَّلام بَيْنَ البلدَيْنِ، وهو الأساس الجاري بنجاح حتَّى هذا اليوم .
كما أنَّ مؤلَّفاته العديدة تعكس تعاطُفَه مع قضيَّة الشَّعب الفلسطيني، ناهيك عن تأييده لحُريَّة السُّود في جنوب إفريقيا، الأمْرُ الَّذي يُفسِّر صداقته الشَّخصيَّة مع نيلسون مانديلا .
والحقُّ، فإنَّ الأعمال الخيريَّة الَّتي اضطلع الرَّئيس جيمي كارتر بها لم تكُنْ لِتتحقَّقَ لولا اهتمام عقيلته «روزالين» بهذا الجانب الإنساني إذ كان جهدهما متوازيًا عَبْرَ زواج طال أكثر من نصف قرن، لذا واصل الرَّئيس السَّابق، كارتر، ذات الجهد لدعمِ الفئات المسحوقة والمظلومة في المُجتمع الأميركي وعَبْرَ مُجتمعات العالَم، ضدَّ مُجتمعات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وفي فلسطين، على سبيل المثال.
وتُنسب لجيمي كارتر إنجازاتٌ إضافيَّة أُخرى، من نَوْع اهتمامه بالتَّعليم والتَّربية والمعارف، ذلك الاهتمام الَّذي توَّجَه بتأسيس وزارة للتَّربية، مُطلِقًا من القِطاع التَّربوي العامّ من براثن رأس المال والاحتكارات الفرديَّة.
وهكذا، أفرز الرَّئيس الرَّاحل جيمي كارتر نموذجًا للقائد الشَّعبي المحبوب الَّذي ينبغي أن يرنو العديد من قادة العالَم إلى مَجدٍ كمَجدِه في شَعبيَّته وحُب الجمهور له!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي