مسقط ـ العُمانية: يرى المصور الضوئي سعود البحري أن الصورة الضوئية تأخرت قليلًا في دخولها إلى نادي الفنون البصرية (عالميًّا)، من ناحية التصنيف الأكاديمي داخل مدارس الفنون وصالات عرض الأعمال الفنية في أوروبا، مهد الضوئيات خاصة في (فرنسا وإنجلترا)، كان هذا الاستبعاد بسبب النظر إلى المصور الضوئي كشخص يقوم بتسجيل الواقع كما هو بواسطة آلة التصوير، دون إبداع يُذكر، حيث لم يكن المصور يضيف أي شيء إلى الموضوع. ويشير (البحري) الذي انضم إلى نادي التصوير الضوئي بالجمعية العُمانية للفنون التشكيلية في عام 1993، أنه ومنذ ذلك الحين أصبحت الصورة الضوئية جزءًا لا يتجزأ من حياته، فدراسته للتصوير الضوئي عن طريق المراسلة في معهد نيويورك للتصوير الضوئي أتاح له فهمًا عميقًا لفلسفة التصوير وتقنياته، ما أسهم في تطوير مهاراته الفنية بشكل ملحوظ.
وفي سياق تجربته الفنية يقول :(أهتم بالاطلاع على الفنون الأخرى، مثل فنون الرسم بمدارسها المختلفة، فهذا يفتح المدارك ويسهم في توليد الأفكار).
وحول رؤيته الفنية فيما يتعلق بمسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان وما تم تحقيقه من إنجازات كبيرة وأشواط نوعية، خاصة وأن المصور العُماني أصبح في طليعة الفنانين العالميين وتحصّل على جوائز عالمية مرموقة هنا يقول البحري:(إذا أخذنا عام 1993 كنقطة انطلاق رسمية للتصوير الضوئي مع تأسيس نادي التصوير الضوئي، سنجد تدرجًا واضحًا في مسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان. كانت فكرة الانطلاق إلى الساحة الدولية واضحة منذ البداية. قامت إدارة النادي في تلك الفترة، وهي مؤسسة تطوعية، بوضع خطط ما زلنا نجني ثمارها حتى اليوم، من بين هذه الخطط، كانت هناك مسابقات لأعضاء النادي لتشجيع الاستمرارية وصقل المواهب، وتم ابتكار فكرة المعرض والمسابقة السنوية. كما تم تشجيع الأعضاء على المشاركة في المسابقات العالمية، حيث كانت الصور تُرسل مطبوعة).
ويضيف: كل تلك الجهود مهدت لانضمام نادي التصوير الضوئي كممثل لسلطنة عُمان إلى المنظمة الدولية للتصوير الضوئي (FIAP) في تسعينيات القرن الماضي. سرعان ما تمكن المصورون العُمانيون من ترك بصمة خاصة في هذه المنظمة العالمية وإبهار الجميع بأعمالهم الضوئية الإبداعية والحصول على الجوائز، وعند النظر بعمق إلى المشهد الضوئي العُماني، نجد أنه ما زال يعتمد على المجموعات ربما يعود ذلك إلى الإشراف والتمويل المؤسسي الذي يميل إلى رؤية فنية جماعية أكثر من الفردية.
ولأن المصور (البحري) عاصر الجيلين الأول التقليدي والثاني (الرقمي) الحديث، من المصورين العُمانيين، وشهد العديد من نقاط التحول في شأن النهوض بالصورة الضوئية، هنا يقف عند تلك النقطة، ويوضح: (مرت مسيرة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان بعدة مراحل، بدأت مع مجموعة صغيرة من المصورين الأوائل، الذين أطلق عليهم (جيل الأساتذة). هؤلاء المصورون شكلوا النواة الأولى للتصوير الضوئي في الثمانينات من القرن الماضي، وكان لي الشرف أن أنضم إلى هذا الجيل في بداية التسعينات). تميز هذا الجيل بإنتاج التصوير الكلاسيكي، وهو نمط يتميز بالبساطة وعدم التعقيد، والتركيز على العناصر الأساسية للصورة. يشمل هذا النوع من التصوير (الضوء والظل والأشكال)، ما يوجد تأثيرات جمالية مميزة. كما تميزت هذه الفترة باستخدام الكاميرات التقليدية والمواد الكيميائية لطباعة الصور، وهي تقنيات لم تكن متاحة للجميع بسبب تكلفتها العالية وتعقيدها التقني، ما أكسب المصورين احترام المجتمع.
ويضيف:أدى دخول التقنيات الرقمية إلى تغيير المشهد التصويري على مستوى العالم، وكسر الاحتكار في إنتاج الصور الضوئية الاحترافية. إذا حصرنا الموضوع في الضوئيات العُمانية، سنجد التحول الكبير الذي حدث في عدد هواة التصوير الضوئي مع دخول الكاميرات الرقمية. عند إشهار نادي التصوير الضوئي عام 1993 تحت مظلة الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية، لم يكن عدد أعضاء النادي الناشطين يتجاوز 20 عضوًا. مع تأسيس الجمعية العُمانية للتصوير الضوئي عام 2012، شهدت الساحة التصوير الضوئي في سلطنة عُمان تحولًا كبيرًا من أسلوب التنظيم القائم على مجموعة من المتطوعين إلى كيان مؤسسي رسمي. هذا التحول منح الجمعية مرونة أكبر، ما أدى إلى زيادة عدد المشاركات وارتفاع سقفها، بالإضافة إلى تنوع عناوين المعارض، وهذا التغيير كان له الأثر الإيجابي الواضح، خاصة مع انضمام أعضاء من الجيل الثالث من الشباب الشغوفين والمبدعين في فنون التصوير الضوئي. هؤلاء الشباب جلبوا معهم رؤى جديدة وأفكارًا مبتكرة، ما أسهم في إثراء مشهد التصوير الضوئي العُماني وتعزيز مكانته على الساحة الدولية.
ويبيّن البحري أن كيف للصورة الضوئية أن تكون نافذة يستطيع المرء من خلالها الاطلاع على عوالمه الذاتية الداخلية، وهي تكشف عن تفاصيل الواقع المعاش وتُترجم لحظات الحياة إلى مشاهد ثابتة تحمل في طياتها كل ما هو إنساني وهنا يقول: هناك مصطلحات قلّما يتم تداولها: التقاط الصورة وصناعة الصورة. يشير الأول إلى كل من يسجل الصورة الضوئية بأي وسيلة كانت، وليس بالضرورة أن يكون ملمًا بتقنياتها وفلسفاتها. أما الثاني، فيتطلب تفكيرًا إبداعيًّا ويعبر عن رؤية الفنان أو المصور، ما يمكّنه من ملامسة جمهور واسع بطرق متعددة ومعقدة.
ويفيد:الصورة ليست مجرد تمثيل للواقع، بل تعكس الفلسفات والرؤى التي يحملها الفرد، ويمكن أن تكون بمثابة مرآة لكل ما هو إنساني، بدءًا من تفاصيل معينة، حيث يمكن للصورة أن تكشف عن جوانب خفية من الحياة اليومية، ما يجعل المشاهد يعيد التفكير في تلك اللحظات، ويمكن أن تستعرض تنوع التجارب الإنسانية، وتعبر عن الثقافات المختلفة، وتساعد على فهم العالم من حولنا بشكل أعمق.
وفي كون أن الصورة جزءًا لا يتجزأ من الصناعات الإبداعية خاصة وأنها تشكل دوراً محوريًّا في التشكيل البصري للثقافة المعاصرة الحديثة هنا يوضح البحري: الصورة الضوئية تأخرت قليلاً في دخولها إلى نادي الفنون البصرية، على الأقل من ناحية التصنيف الأكاديمي داخل مدارس الفنون وصالات عرض الأعمال الفنية في أوروبا، مهد الضوئيات (فرنسا وإنجلترا)، كان هذا الاستبعاد بسبب النظر إلى المصور الضوئي كشخص يقوم بتسجيل الواقع كما هو بواسطة آلة التصوير، دون إبداع يُذكر، حيث لم يكن المصور يضيف أي شيء إلى الموضوع. ويضيف البحري: «من وجهة نظري الشخصية، ربما كان هذا التصنيف مقبولاً في ذلك الوقت، لأن أجهزة التصوير الضوئي البسيطة لم تكن توفر الإمكانيات التي تساعد المصور على إنتاج صورة ضوئية فنية. لكن هذا لا يعني أن المصور نفسه لم يكن يمتلك أفكارًا إبداعية. تغير هذا الوضع مع تطور آلات التصوير، ما أتاح للمصورين التحكم أكثر في نسبة الضوء المطلوبة وسرعة تجميد الأشياء المتحركة. كل هذه العوامل ساعدت المصور على التحول من تسجيل الواقع (التصوير) إلى إخراج فني من الواقع (صناعة الصورة)، ما سمح للمصور الضوئي بالحصول على الاعتراف وترقيته إلى لقب الفنان.
ولأن المصورين يرون أن الصورة وثيقة عالمية تتجاوز الحواجز المادية، هنا يتحدث البحري عن الكيفية التي من الممكن أن توجد لغة مشتركة عابرة للأطر الجغرافية وأن تكون جسرًا ثقافيًّا بين الشعوب ويقول: تلعب الصورة دورًا بارزًا في تسجيل الهويات الثقافية ومشاركة التجارب الإنسانية المشتركة. من خلال الصورة، يمكن نقل تجارب وقصص المجتمعات، ما يعزز الفهم المتبادل. هذا يجب أن يتم بطريقة مدروسة ومنظمة، بصفتي مصورًا ومهتمًا بالفنون بشكل عام، أرى أن هذا الدور التنظيمي الرائع يتم تحت مظلة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عُمان، فهي تشرف على منظومة ثقافية متكاملة، تشمل رعاية الفنانين الضوئيين ومشاركة أعمالهم خارج البلاد لنقل الجانب التراثي والثقافي والحضاري لسلطنة عُمان، كما تستضيف تجارب مصورين من دول أخرى لعرض أعمالهم محليًّا.