بعد أكثر من (15) شهرًا وبالتَّحديد (471) يومًا انتهتْ عمليَّة «طوفان الأقصى» وصمتتْ طُبول حرب الإبادة «الإسرائيليَّة» وتوقفتْ بعد التَّوصُّل لهدنة برعاية أميركيَّة قطريَّة مصريَّة وبدأتْ عمليَّة تبادل الأسرَى.. حيث تأتي المرحلة الأولى من الاتِّفاق والَّتي تستمرُّ ستَّة أسابيع يتمُّ خلالها إطلاق سراح (33) من أصلِ (98) أسيرًا «إسرائيليًّا» لدَى حماس، مقابل إطلاق سراح ما يقرب من (2000) سجين ومعتقل فلسطيني.
لقَدْ قدَّم الفلسطينيون خلال هذه الحرب الظَّالمة أبْهَى صورة للصُّمود التَّاريخي والدِّفاع عن الأرض.. فلم تثنِهمْ طائرات العدوِّ ومدافعه ودبَّاباته ورصاصه عن البقاء في بلادهم والتَّمسُّك بحقِّهم فيها حيثُ كانتْ تسعَى قوَّات الاحتلال لتهجير أهل قِطاع غزَّة عن بكرة أبيهم والسَّيطرة على كامل الأرض وكانتْ تعتقد أنَّ آلاتِها العسكريَّة ستُرعب الفلسطينيِّين وتجعلهم يفرُّون خارج الوطن.. ولكنَّهم قدَّموا الكثير من التَّضحيات وتمسَّكوا ببلادهم وها هم يعودون إلى منازلهم رافعين شارة النَّصر وأعلام فلسطين.
السُّؤال الَّذي يفرض نَفْسه هنا: هل حقَّا انتصر أحَد الطَّرفَيْنِ في هذه الحرب؟
في رأيي أنَّ النصر الَّذي حقَّقه الفلسطينيون هو نصر معنوي بالدرجة الأولى، حيث اهتزت صورة دَولة الاحتلال «الإسرائيلي» وظهرتِ الحقيقة الزَّائفة الَّتي تروِّج لها بقدرتها على الصمود والاستمرار في القتال.. أمَّا الواقع فصحيح أنَّ الدَّمار في كُلِّ مكان والخراب طال المنشآت الحكوميَّة وغير الحكوميَّة والبنية الأساسيَّة الَّتي تحتاج لإعادة بناء من جديد إلى جانب استشهاد ما يقارب (47) ألف فلسطيني وهو رقم خيالي.. وصار الحزن يُخيِّم على كُلِّ بيت في القِطاع لوجود شهيد أو جريح فيه إن وجد هذا البيت من الأصل.. لكن كل هذه التضحيات لم تكسر إرادة الحياة لدَى الشَّعب الفلسطيني والصُّمود والتَّمسُّك بالأرض ومقاوَمة الاحتلال المدعوم من قِبل الدوَل الكُبرى وحلف شمال الأطلسي عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا.
وبالنسبة للجانب «الإسرائيلي» فالصَّهاينة لا يزال مشهد الصَّواريخ الفلسطينيَّة الَّتي انهالتْ على المستعمرات حاضرًا في الذَّاكرة، الأمْرُ الَّذي أجبرهم على اللُّجوء للخنادق والاختباء بها طوال فترة الحرب ممَّا شكَّل ضغطًا شَعبيًّا على حكومة «تل أبيب».. ومن ناحية أخرى الأسرَى الَّذين وقعوا بِيَدِ حركة حماس ولم تستطع «إسرائيل» ومن خلفها أميركا بكافَّة وسائلهما الجاسوسيَّة المتطوِّرة من معرفة مكانهم وفكِّ أَسْرِهم وإعادتهم لأهلهم، وهو ما يفنِّد ما تتغنَّى به دَولة الاحتلال بأنَّها تملك أقوى منظومة جاسوسيَّة وعسكريَّة على وجْه الأرض.
على العموم لقدِ انتهتِ الحرب.. وآنَ الأوان لأن ينظرَ الفلسطينيون للمستقبل فيسعوا لتحقيق وحدة تجعل العدوَّ الصهيوني يفكِّر ألف مرَّة قَبل أن يُقدِمَ على عدوان جديد.. كما أنَّ الحال في غزَّة يُرثى له، فالدَّمار والجوع والبرد والمرض ينتشر في كُلِّ مكان والقِطاع في حاجة ماسَّة لإعادة إعمار، وهذا ما يَجِبُ أن يَقُومَ به الفلسطينيون في الفترة القادمة.. فالبناء هو ما يحتاجه الشَّعب الصَّامد المقاوِم.. أمَّا النَّصر المُبين فإنَّه سيكُونُ حتمًا في يوم من الأيَّام حليفه مهما طال الزمن.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني