الخميس 16 يناير 2025 م - 16 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

رجب بين الفضل والفضائل «1»

الأربعاء - 15 يناير 2025 04:18 م


أيها الأحباب: نعيش هذه الأيام مع شهر مبارك من أشهر الله تعالى التي كرَّمها وشرَّفها ورفع قدرها، ألا وهو شهر (رجب)، ذلكم الشهر الذي جعل الله تعالى له مكانة خاصة، فعده واحدًا من الأشِهر الحُرم التي عظَّمها وحرَّمها فلا قتال فيها ولا خصومة.

وقد حدد لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأشهر الحرم كلٌ باسمه، فقد روى الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما (عن أبي بكرةـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلالله عليه وسلم ـ قال:»إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»)(صحيح البخاري، ج6/‏ برقم4662)، (صحيح مسلم،ج3/‏ برقم 1679). وجاء في (فضائل الأوقات للبيهقي، ص: 81)قَالَ:(لَا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ فِي كُلِّهِنَّ، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْأَجْرَ أَعْظَمَ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ هَذِهِ الْأَشْهُرَ، وَخَاصَّةً شَهْرَ رَجَبٍ فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ فِيهِنَّ).

إذن.. فقد كانت هذه الأشهر الحرم أشهراًمعلومة عند العرب، ومنها رجب فقد كانوا يعظمونه ويحترمونه، ويوقفون الحرب فيه ويعطلونها،فلا يسمع أحد فيه قعقعة الأسلحة ولا أصواتها الرنَّانة،وروي البخاري في صحيحه (5/‏ 171): (عن أبي رجاء العطاردي ـ يحكي عن العرب في الجاهلية ـفقال:كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ، فَلاَ نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، وَلاَ سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، إِلَّا نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ).

إن شهر رجبلم يكن من الشهور المعظمة عند العرب فقط، بل كانوا يجعلون له أيضًامكانة خاصة،والدليل على ذلكأن من عادات العربأنهم كانوايكثِرون أسماء الشيءالذي يحبونه أويحترمونه أويهابونه، وما من شيء كثرت أسماؤه عندهم إلا دلَّ ذلك على شرفه وعلّو مكانته لديهم، وقد حظي شهر رجب بقدرٍ كبيرٍ من المكانة لكثرة الأسماء التي سموه بها، فقد كانوايسمونه رجب الفرد، وكان يسمى(الأصم).. وغير ذلك، فلما جاء الإسلام أقرهم على هذا التعظيم لهذا الشهر العظيم وعلى هذه الأسماء.

عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاـ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إِنَّ رَجَبَ شَهْرُ اللَّهِ وَيُدْعَى الْأَصَمَّ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ يُعَطِّلُونَ أَسْلِحَتَهُمْ وَيَضَعُونَهَا، فَكَانَ النَّاسُ يَأْمَنُونَ وَتَأْمَنُ السُّبُلُ، وَلَا يَخَافُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَنْقَضِيَ)،(وَهَذَاالْحَدِيثِ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّوَارِيخِ، وَكَانَ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ) (فضائل الأوقات للبيهقي، ص:86)، كما أن هذا الشهر الفضيل كانت له مكانته الخاصة عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جاء في (لطائف المعارف لابن رجب، ص: 121): (عن أنس قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل رجب قال:»اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»)، وفي هذا الحديث دليل على استحباب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمال الصالحة فيها فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا وخير الناس من طال عمره وحسن عمله لطائف المعارف لابن رجب (ص: 121)»..وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف

 [email protected]