الأربعاء 15 يناير 2025 م - 15 رجب 1446 هـ
أخبار عاجلة

المرأة الفرنسية ومتلازمة الواجهات

المرأة الفرنسية ومتلازمة الواجهات
الأربعاء - 15 يناير 2025 02:36 م

عادل سعد


بوفاة الفرنسيَّة جوسلين ويلدنستينن تكُونُ صفحة قد طُويَت لامرأة حقَّقتْ شهرةً عالَميَّة في عدد عمليَّات التَّجميل لتغيير ملامحها من وقتٍ إلى آخر حتَّى تصدَّرت قائمة النِّساء المصابات بالإدمان على شطفِ الشحوم وحقنِ الفيلر والحذف والتَّرقيع والتَّرسيم بما لم يسبقْ لامرأةٍ أُخرى منذُ أقدَم العصور أن واظبَتْ عَلَيْه.

لقَدْ لفظتْ هذه المرأة أنفاسَها عن عمرٍ تجاوزَ (79) سنَةً في أحَد الفنادق الباريسيَّة قَبل ساعات قليلة من إطلالة العام الجديد 2025. ووفق معلوماتٍ مؤكَّدة، أنَّها كانتْ بصددِ إجراء جراحة تجميليَّة جديدة في عيادة أحَد أشْهَر أطبَّاء الجراحة التَّجميليَّة.

•على أيِّ حال لم تكُنْ تلك المرأة تأخذ بنظر الاعتبار (إذا كثرتْ زجاجات المرأة شاختْ)، ولم تكترثْ لنصائح أصدقاء تمنَّوا عَلَيْها أن تحترمَ شيخوختها وتصرفَ النَّظر عن أيَّة عمليَّة تجميليَّة إضافيَّة؛ لأنَّ جسمَها لم يَعُدْ يتحمل تبعات ذلك، بل ولم تأخذْ بالاعتبار ورُبَّما أخريات أنَّ تصنيعَ الجَمال الطَّارئ لن يلغيَ بأيِّ حال من الأحوال قدريَّة الشَّيخوخة، وإن كان يوفِّر فرحًا وقتيًّا، فإنَّه من الحتمي الضُّمور سريعًا لتبدأَ حالة فزع جديدة بعد حين.

•لا شكَّ أنَّها وقَعتْ تحت ضغط متلازمة مخاوف إصابتها بالقُبح حين تكفُّ عن تغيير شكلِها بَيْنَ وقتٍ وآخر، وإذا كانتْ قد وقَعتْ في متوالية شكوك وتطلع، ظلَّتِ الخيبةُ متوارثةً من أجيالٍ تروي الملحمة الَّتي خاضها لكامش للبحثِ عن الخلود في رحلة (أهدر فيها المزيد من الوقت والطَّاقة للبحثِ عن هذا الأمل الهلامي).

•لقَدِ انتهَى به المطاف إلى فقدانِ صديقه انكيدو وإصابته بمتلازمة الغمِّ.

•بالتَّحليل الدَّقيق للحالتَيْنِ ولحالاتٍ متشابهة، هناك تمرُّد ما على حقيقة أنَّ الزَّمن يُنضج الثَّمرة، لكنَّه يُفسدها بعد ذلك.

•إنَّ على الإنسان البحث عن معنى يشرِّفه وفق المفكِّر الأميركي واير داير صاحب كِتاب النَّقلة، فقَدْ دعا إلى المداورة في الأولويَّات والتَّمسُّك بما يخدم القِيَم الإنسانيَّة والشَّراكة التَّضامنيَّة لتحرير الذَّات البَشَريَّة من طوبائيَّة المناكدة والتَّشبُّث الزَّائف.

•الحال هناك محاولات جارية الآن مختبريًّا واعتباريًّا هدفها إعادة تشكيل أولويَّات النَّاس مع التَّقدُّم في السِّن، وأنَّ البحثَ عن إكسير يديم الحياة مجرَّد وهمٍ ساذج لا طائلة تحته من منطلق معروف (لا يصلح العطَّار ما أفسَدَ الدَّهر)، أي للعمر أحكامه في كُلِّ الأحوال.

•إنَّ باحثينَ متمرِّسِين على مستوى العالَم يتصدَّون الآن إلى هذه القضيَّة الشَّائكة بخيوطها المعقَّدة، إذ يرَوْنَ، أنَّ الأجدَى والأسلَمَ منطقيًّا وسيكولوجيًّا الانصراف إلى منهج يَقُومُ على التزام السَّلام النَّفْسي ومواجهة مخاوف الانعزال بالمزيد من الاطمئنان إلى قدريَّة البقاء الوقتي للإنسان.

•بالمقابل، إنَّ الاستسلامَ إلى الانقِطاع بانتظار ساعة الرَّحيل الأبدي ليس سوى إعلان هزيمة يُمكِن تفاديها، وفي هذا الشَّأن نصحَتْ عالِمة النَّفْس إليزابيث دان التَّدريسيَّة في جامعة كولومبيا البريطانيَّة بالتَّرفُّع عن التَّجميل السَّطحي وناشدتْ بتحرير الذَّات مِن وَهْمِ استبقاء الشَّباب.

•إنَّ محرِّكات حياتيَّة تُدير العمر على أساس الإيمان بقضاء الله هي جوهر الحكمة الإنسانيَّة، فوفق دراسةٍ نُشرتْ عام 2024 للفيلسوف الكندي الان دونو، إنَّ الخللَ الَّذي يضربُ العالَم الآن يتلخَّص في أنَّ (أيَّة جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ يُمكِنه أن يُديرَ العالَم له بعيدًا عن الخير والمواطنة الصَّالحة وحُسن الخُلق). ويُضيف هذا الفيلسوف في كِتاب له بعنوان عالَم التَّفاهة، أنَّ الضَّحالة أوقَعتِ الإنسانَ في دوَّامة التَّشبُّث بالقشور، والمراهنة على التَّسطيح وليس الأعماق.

•أجزم، أنَّ تعدُّدَ وتنوُّعَ عيادات جراحات التَّجميل لن يوفِّرَ الاطمئنان الحقيقي، وأجزم أيضًا من إجماع متابعات معرفيَّة، ينبغي النَّظر إلى أصحاب الحاجات والمعوّقين كجزء أساسي من الحالة الإنسانيَّة.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]