مسقط ـ «الوطن »:
يُسدل الستار اليوم على الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي، الذي نظمته وزارة الثقافة والرياضة والشباب بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح والجمعية العمانية للمسرح، بعروضٍ وحلقات وندواتٍ فكريةٍ عكست روح التعاون بين الفرق العربية، مؤكدةً أهمية المسرح بوصفه فضاءً للالتقاء والتحاور، كما برزت خلال المهرجان تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومختلف التقنيات الحديثة، ما يشير إلى مستقبلٍ واعدٍ للفنون المسرحية في العالم العربي.
وأثبتت هذه الدورة في سلطنة عُمان أن المسرح العربي ماضٍ في التطور والابتكار، مستمدًا قوّته من تراثه الثقافي العريق ومستلهمًا رؤى الحداثة، ليعزز مكانته على الساحة الإقليمية والدولية.
حيث شهد المهرجان حضورًا تجاوز 500 ضيف مسرحي من مختلف الدول العربية، وتوزّعت العروض على ثلاثة مسارح رئيسية هي مسرح البستان، ومسرح كلية الدراسات المصرفية، ومسرح العرفان بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض. وقد عُرِضِ 15 عملًا فنيًا متنوعًا، عكست في مجملها تنوّع الاتجاهات المسرحية العربية، وتناولها قضايا الحاضر وملامح المستقبل.
وكما رافقت المهرجان فعاليات فكرية بارزة، أبرزها مؤتمر بعنوان (المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع)، الذي امتد لثلاثة أيام وركّز على الدور المتنامي للتكنولوجيا في المشهد المسرحي. قدّم الباحثون والمختصون، ومن بينهم د. أسامة لاذقاني ود. محمد مبارك تسولي ود. عماد الخفاجي ود. أيمن الشريف والباحث عبداللطيف فردوس، رؤى متعددة حول دمج الذكاء الاصطناعي بالعملية المسرحية، سواء في كتابة النصوص أو التصميم الفني والإضاءة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على جوهر الإبداع البشري. وشهد المؤتمر أيضًا تسليط الضوء على التجربة الصينية في توظيف التكنولوجيا بالفنون المسرحية، حيث استعرض المصمم الصيني (ما لوه) خبرته في تصميم الإضاءة وتقنياتها المتطورة، فيما أكد شان جهاي أهمية الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مختلف عناصر العرض.
وعلى صعيد العروض، تنوّعت الأعمال الفنية بين المسارين الأول والثاني. تنافست عروض المسار الأول على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وشملت أعمالًا من سلطنة عُمان وتونس والأردن والبحرين وقطر وفلسطين والعراق والكويت والإمارات ومصر والمغرب، في حين قدم المسار الثاني عروضًا من السعودية وسوريا والعراق وتونس. عالجت تلك العروض ثيمات إنسانية مختلفة، من الأسطورة والحب المستحيل في مسرحية (أسطورة شجرة اللبان) العُمانية، إلى الكارثة البيئية والاجتماعية في (البخارة) التونسية، وصولًا إلى قضايا الحرب والاغتراب والسعي إلى الحرية في أعمال أخرى، مثل (الملجأ) الأردنية و(سيرك) العراقية و(ذاكرة صفراء) السعودية و(عد عكسي) السورية ،حيث عكست هذه الأعمال رؤية فنية تتراوح بين محاكاة التراث وأشكال الفرجة الشعبية والاعتماد على الابتكار التقني والفكري.
أما على صعيد الحراك المسرحي العماني، أكد د. عبد الكريم جواد خلال المؤتمر الفكري الأهمية المحورية للمسرح العماني منذ تأسيس مسرح الشباب عام 1980 وحتى افتتاح المسرح الوطني المرتقب عام 2025، مشيرًا إلى التجارب المفصلية التي أسهمت في تطوير حراك مسرحي فاعل. كما سلّط المسرحي السوداني يوسف عيدابي الضوء على تطور النص المسرحي العماني، مستشهدًا ببحوث د. رحيمة الجابري ود. آمنة الربيع، اللتين تناولتا ملامح الخصوصية الثقافية للمسرح العماني في استلهام التراث والفنون الشعبية. وأبرزت الباحثة علياء البلوشية أهمية الفرجة الشعبية ومدى توظيف الأهازيج والطقوس في بناء عروض درامية معاصرة، كما ظهر في مسرحية (البراقع) التي تناولت قضايا المرأة بأساليب رمزية.
ومن جانب آخر، شارك مركز ثقافة الطفل بركن تفاعلي خلال الفترة نفسها (9 – 15 يناير)، مستهدفًا الأطفال من عمر 6 إلى 16 سنة بأنشطة تعليمية وفنية وترفيهية تربطهم بالثقافة العمانية، فيما تأتي هذه المبادرة اتساقًا مع رؤية عُمان 2040، التي تؤكد على دور الإنسان بوصفه محورًا للتنمية المستدامة.
ومع إسدال الستار على فعاليات المهرجان في 15 يناير، توجّهت الأنظار إلى آفاق جديدة تنتظر المسرح العربي، بعد أن جمع بين الفن والتراث والحلول التكنولوجية، في صورة تعبّر عن القدرة المتواصلة للمسرح على التطور مؤكدةً الدور المحوري للابتكار والتكنولوجيا في إثراء المشهد الفني، مع الحرص على الحفاظ على الهوية والتراث. وقد أكدت النسخة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي في سلطنة عُمان أن المسرح العربي يمضي قدمًا نحو آفاق جديدة، يجمع فيها بين جذوره الثقافية ورؤيته الحداثية، ليؤكد مكانته على الخارطة الفنية العالمية.