كشفَ الخِطاب، الَّذي تفضَّل حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بإلقائه بمناسبة الحادي عشر من يناير، عن الرُّؤية العُمانيَّة لمراحلَ متقدِّمة من التَّحوُّل التَّنموي الَّذي يعكسُ الجديَّةَ والطُّموحَ الوطني. فالحديثُ عن «رؤية عُمان 2040» ليس مجرَّدَ عرضٍ للإنجازات، بل هو دعوةُ للتَّفكُّر في عُمقِ التَّحوُّلاتِ الَّتي شهدتها سلطنة عُمان. فالرُّؤية، من المنطلَقِ السَّامي، تُمثِّل خريطةَ طريقٍ لتجديدِ النَّهضة، كما أنَّها تُجسِّدُ الإرادةَ الوطنيَّة، ممَّا يضعُ السَّلطنة في مسارٍ راسخ نَحْوَ المستقبل، حيثُ حرصَ جلالةُ السُّلطانِ المُعظَّم أنْ يتجسَّدَ في خِطابِه معنى التَّكامل بَيْنَ الماضي والحاضر في إطارِ رُؤى طويلةِ المدَى تستندُ إلى الاستدامةِ والابتكار، متزامِنةً مع تحدِّياتٍ معاصرة لن نستطيعَ مواجهتَها إلَّا بروحِ التَّغييرِ المستمرِّ.
تلك الرُّؤيةُ العُمانيَّة لم تقتصرْ على الأهدافِ التَّنمويَّة المُجرَّدة، بلِ ارتكزتْ على تحوُّلٍ حقيقي في كافَّةِ المجالاتِ الأساسيَّة الَّتي تُشكِّلُ محورَ النَّهضةِ. فالتَّأكيدُ على التَّحسُّنِ المستمرِّ في المؤشِّراتِ الوطنيَّةِ والدّوليَّة لم يكُنْ مجرَّدَ حديثٍ عن أرقامٍ أو تحسيناتٍ هيكليَّةٍ بسيطة، بل كانَ ترجمةً لجهودٍ استراتيجيَّةٍ هادفة لبناءِ دَولةٍ تنافسيَّةٍ ومستدامة. ولعلَّ التَّحوُّلاتِ في المجالاتِ الحاكمةِ مِثل الرَّقمنةِ وتطويرِ البنيةِ الأساسيَّة على رأسِ الإنجازات، تدلُّ على إصلاحٍ حكوميٍّ شامل. فسلطنةُ عُمانَ لم تكتفِ بتحسينِ الخدمات، بل سعَتْ إلى إدخالِها في عصرٍ جديدٍ من الكفاءة، وهو ما ينعكسُ بشكلٍ مباشرٍ على جودةِ الحياةِ في مختلفِ القِطاعات. لكنَّ الإنجازاتِ الَّتي أُحرزتْ، مِثلَ تطويرِ قِطاعَي الصحَّةِ والتَّعليم، تُشيرُ أيضًا إلى قفزاتٍ نَوعيَّةٍ تُعزِّزُ من قدرةِ الدَّولةِ على المنافسةِ في مختلفِ الميادينِ الدّوليَّة.
تكمنُ نقطةُ القوَّةِ الأساسيَّة في الرُّؤية السَّاميةِ لتجديدِ النَّهضةِ في سياقِ الإدارةِ المحليَّةِ والتَّنميةِ الذَّاتيَّة الَّتي أشارَ إِلَيْها جلالةُ السُّلطان ـ أيَّدَه الله ـ. فقَدْ عملتِ القيادةُ الحكيمة على بناءِ نظامِ إدارةٍ محليَّة يُعزِّزُ من قدرةِ المحافظاتِ على تحمُّلِ مسؤوليَّاتِ التَّنمية، ويوفِّرُ المجالَ للانخراطِ الكاملِ للمواطنِ في صناعةِ المستقبل. فالتَّوسُّعُ في هذه الأنظمةِ يفتحُ البابَ لخلقِ اقتصاداتٍ محليَّة مُتنوِّعة، تُعزِّز من فاعليَّةِ التَّنمية وتدعمُ الاستقلالَ الاقتصاديَّ على مستوَى المناطقِ، وتخلقُ نَوْعًا من «اللامركزيَّة الفاعلة»، حيثُ يتمُّ استثمارُ المواردِ في المناطقِ المحليَّة لتوليدِ فرصِ عملٍ. وهو ما يتماشَى مع فلسفةٍ شاملةٍ تَرمي إلى تحفيزِ المواطنِينَ لِيكُونُوا شركاء في بناءِ وطنِهم. هذه الشَّراكةُ تُعَدُّ خطوةً مُهمَّة نَحْوَ تحقيقِ استدامةٍ اجتماعيَّة تُوازنُ بَيْنَ متطلَّباتِ التَّطوُّرِ العصريِّ وبَيْنَ الحفاظِ على الهُوِيَّةِ العُمانيَّة.
رغمَ النَّجاحِ الملموس، يظلُّ الواقعُ الاقتصاديُّ العالَمي وما يترتَّبُ عَلَيْه من تحدِّياتٍ أحَدَ الموضوعاتِ الَّتي لم يغفلْها جلالةُ السُّلطانِ المُعظَّم. فتأكيدُه على أنَّ سلطنةَ عُمانَ لا تعملُ في فراغ، بل تواكبُ تحدِّياتٍ اقتصاديَّةً عالَميَّة متزايدة، يعكسُ واقعيَّة الطُّموح العُماني، حيثُ تمَّ التَّأكيدُ على أنَّ تحسينَ الخدماتِ ورفْعَ مستوَى الكفاءةِ الحكوميَّة هو في حدِّ ذاتِه عمليَّةٌ مستمرَّة تحتاجُ إلى تخطيطٍ طويلِ المدَى. فالتَّحدِّياتُ الَّتي واجهَتْها السَّلطنةُ في ظلِّ انخفاضِ أسعارِ النِّفطِ والتَّغيُّراتِ المناخيَّة تؤكِّدُ أنَّ نجاحَ العُمانيِّينَ في رفعِ مؤشِّراتِ الأداءِ الحكومي لم يكُنْ مجرَّدَ مسألةٍ عارضة، بل هي ثمرةٌ استراتيجيَّةٌ مبتكرة تمثَّلتْ في توجيهِ الموارد نَحْوَ المشاريعِ المستدامة مِثْلِ الطَّاقةِ المُتجدِّدة، وتطويرِ تقنيَّاتٍ حديثة في البنيةِ الأساسيَّة. وهو ما يعكسُ جهودًا حثيثةً لزيادةِ كفاءةِ الاستثمارِ المحلِّي والحدِّ من الاعتمادِ على القِطاعاتِ التَّقليديَّة.
إنَّ الخِطابَ السَّامي لم يكُنْ مجرَّدَ استعراضٍ للإنجازات الَّتي تحقَّقتْ، بل كانَ دعوةً للتَّأمُّلِ في المستقبل. فرؤيةُ «عُمان 2040» تُمثِّلُ خريطةَ الطَّريقِ الَّتي تَقُودُ السَّلطنةَ من مرحلةِ التَّحوُّلِ إلى مرحلةِ الرِّيادةِ العالَميَّة، والاستمرارِ في تحسينِ الأداءِ الحكومي مع ضمانِ الشَّراكةِ الفاعلةِ للمواطنِينَ، وتوسيعِ نطاقِ الاستثماراتِ الكُبرى، كُلُّها مؤشِّراتٌ تبعثُ على التَّفاؤل. ومع توَجُّهِ عُمانَ نَحْوَ تحقيقِ التَّنميةِ المستدامة والابتكارِ الحكومي، فإنَّ البلادَ تَسيرُ بثقةٍ نَحْوَ المستقبل.
حفظَ اللهُ جلالةَ السُّلطانِ، وأدامَ على عُمانَ عزَّها واستقرارَها، لِتظلَّ دائمًا نموذجًا رائدًا في التَّنميةِ الشَّاملةِ المستدامة.