مسقط ـ « الوطن»:
تصوير ـ «العمانية» :
يواصل العرس المسرحي العربي فعالياته في العاصمة مسقط بدورته الـ15 والذي يهدف إلى تسليط الضوء على إبداعات المسرحيين العرب من مختلف الدول العربية، كما يتيح هذا المهرجان للمبدعين من المخرجين، الكتاب، الممثلين، والفنيين عرض أعمالهم المسرحية وتبادل الخبرات والتجارب مما يسهم في تعزيز الحراك المسرحي العربي وتطويره، من خلال تقديم مسرحيات متنوعة تلامس قضايا المجتمع وتعكس الواقع الثقافي والفني في المنطقة.
ويشهد العالم تحولًا جذريًّا في الفنون والتكنولوجيا، حيث بات الذكاء الاصطناعي يؤدي دورًا محوريًّا في إعادة تعريف الإبداع البشري. في مجالات المسرح والدراما، أصبحت التقنيات الحديثة وسيلة لابتكار تصاميم رقمية، وتحسين السينوغرافيا، ودمج التكنولوجيا مع الأداء الحي. من تصميم الأزياء المسرحية باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى تطوير أقنعة ذكية تتفاعل مع حركة الممثلين، ومن استكشاف النصوص الدرامية التوليدية إلى استخدام الإسقاط الضوئي المبرمج، يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة للإبداع والتجريب، من هنا تم تسليط الضوء في جلسة المؤتمر الفكري في يومه الثاني، والتي جاءت بعنوان المسرح والذكاء الاصطناعي بين الصراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني وبمشاركة عدد من الباحثين والمسرحيين.
المساحة الرمادية
تناول المسرحي الدكتور أسامة لاذقاني في كلمته أهمية دمج الذكاء الاصطناعي في المسرح كأداة تفتح آفاقًا جديدة للإبداع الفني، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الذكاء الاصطناعي مكملًا للإبداع البشري، لا بديلًا عنه. وناقش لاذقاني دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التفاعل بين الفنانين والجمهور، وإمكاناته في خلق تجارب مسرحية مبتكرة تعتمد على شخصيات افتراضية، وتحليل استجابات الجمهور في الوقت الفعلي. لكنه شدَّد أيضًا على أهمية الحفاظ على القيَم الإنسانية والإبداع الأصيل في ظل التوسع التكنولوجي، وضرورة معالجة التحديات الأخلاقية وحقوق الملكية الفكرية المرتبطة باستخدام هذه التقنيات، واختتم الدكتور أسامة حديثه بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يقدِّم فرصًا كبيرة لتعزيز الفنون المسرحية، لكنه يدعو إلى توازن دقيق بين التقنية والإبداع الإنساني لضمان استمرار روح الفن وأصالته.
رؤى مبتكرة
في إطار تطور التكنولوجيا ودخول الذكاء الاصطناعي إلى عالم المسرح، قدَّم الدكتور محمد مبارك تسولي رؤى مبتكرة حول استخدام التصميم الرقمي لإحداث نقلة نوعية في مجال الأزياء والديكورات المسرحية، وتناولت المحاضرة أهمية الذكاء الاصطناعي في تطوير التصاميم المسرحية، حيث يتيح إنشاء أزياء وديكورات ديناميكية تجمع بين الإبداع الفني والتقنيات الحديثة.
تحسين التفاعل اللحظي
استعرض الدكتور عماد الخفاجي في محاضرته دور الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات الإضاءة المسرحية، مشيرًا إلى التحول الكبير من الأساليب التقليدية التي تعتمد على الخبرات اليدوية إلى تقنيات ديناميكية تتيح إمكانات إبداعية غير مسبوقة.
قناع الفيروفيوس
قدَّم الدكتور أيمن الشريف، مصمم برامج الوسائط في الدراما بجامعة فلورنسا منذ عام 2008، مشروعًا مبتكرًا بعنوان (قناع الفيروفيوس). يُعَد هذا القناع نقلة نوعية في دمج التكنولوجيا بحركة الممثل، حيث يستند إلى تقنيات متطورة تشمل إنترنت الأشياء والمجسات الذكية، ويعمل قناع الفيروفيوس على تمكين الممثل من التفاعل المباشر مع سينوغرافيا رقمية حية. بفضل المجسات المزودة بالقناع، تُرسل الإشارات لحظيًّا إلى بروجكترات البث التي تترجم هذه الحركات إلى مؤثرات بصرية ديناميكية على المسرح.
توليد النص المسرحي
وقدَّم عبداللطيف فردوس، الباحث المغربي في المسرح، رؤية معمقة حول دور الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص المسرحية، مسلطًا الضوء على التحولات التي أضافتها هذه التقنية إلى المجال الإبداعي، وأكد فردوس أن الذكاء الاصطناعي بات قادرًا على توليد نصوص درامية جديدة وتحليل النصوص القائمة لتحسينها، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الكتابة المسرحية والإبداع الفني. وأشار إلى تطور هذه التقنيات عبر العقود، منذ ظهور مفهوم (الذكاء الاصطناعي) عام 1956، وصولًا إلى اليوم حيث أصبحت البرمجيات والتطبيقات الذكية تُستخدم في تصميم السينوغرافيا، الملابس، وتقنيات الإخراج المسرحي.
3 حلقات تدريبية
وضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي انطلقت 3 حلقات تدريبية معنية بالجانب المسرحي وسط حضور ما يقارب 80 مشاركًا وتستمر حتى يوم الثلاثاء الموافق 14 يناير، وتأتي هذه الحلقات سعيًا من الهيئة العربية للمسرح لتقديم كل ما هو جديد ومفيد للشباب العُمانيين والمعنيين والمهتمين في المسرح، وأولى هذه الحلقات بعنوان (تقنيات ومهارات التمثيل) الذي يقدمها المخرج السوري الدكتور عجاج سليم، وتهدف الحلقة إلى تمكين الممثل من الوصول إلى أعماق ذاته واستخراج المشاعر الكامنة في داخله، مما يسهم في تعزيز تجسيده للشخصيات بعمق وصدق.
أما ثاني الحلقات فقدَّمتها شيري غباشي من الأردن بعنوان (السلامة المهنية لذوي الهمم في المسرح)، وتهدف الحلقة إلى تمكين المشاركين من ذوي الهمم لاكتساب مهارات حياتية تعزز معنوياتهم وتؤهلهم للعمل في بيئات إبداعية آمنة مما يسهم ويدعم اندماجهم الكامل في الحقل الفني.
في حين جاءت ثالث الحلقات بعنوان (سبعة دروس في الإيماء وفنون الأداء الصامت) والتي يقدِّمها الفلسطيني سعيد سلامة، والتي ركز فيها على تأسيس مهارات الإيماء لدى المتدربين، من خلال منهج متكامل يسعى إلى تمكين المشاركين من اكتشاف إمكانات أجسادهم التعبيرية والوظيفية، مع تعزيز وعيهم بقدراتهم الجسدية في إيصال المشاعر والأفكار دون كلمات.
العروض المسرحية
وأول العروض المسرحية التي عرضت في المهرجان كان عرض أسطورة شجرة اللبان لفرقة مزون من سلطنة عُمان، وعن رواية موشكا لمحمد الشحري اقتباس نعيم نور، ومن إخراج يوسف البلوشي، حيث تدور أحداث المسرحية في بيئة يسودها الجفاف، تنشأ فيها قصة حب بين الإنسي (غدير) والجنية (موشكا) التي تختلف في طباعها عن بقية أقرانها من الجن، فهي تحب البشر وترى أنهم ملهمون وحياتهم جميلة.
في حين كان ثاني العروض بعنوان (الملجأ. معمل 612) من الأردن من تأليف نجيب نصير وسوسن دروزة، وإخراج سوسن دروزة والحاكم مسعود. أما العرض الثالث فكان بعنوان (المؤسسة) من البحرين عن نص أنطونيو باييخو، ومن إعداد وإخراج عيسى الصنديد، حيث تأخذنا المؤسسة في رحلة لاكتشاف المكان من خلال غرفة، تتشارك فيها شخصيات لها هموم ثقافية وعلمية مختلفة. أما عرض (سيرك) للفرقة الوطنية للتمثيل من العراق، من تأليف وإخراج جواد الأسدي، ويسلط الضوء على التصدع والتفكك في المجتمعات الإنسانية وترصد انهيارات المدن المتحضرة وتحويلها إلى رماد في نزعة وحشية قاسية لإبادة الناس وتهجيرهم من بيوتهم إلى منافي جديدة شديدة الوحشة والمرارة. أما عرض (ماكبث المصنع) لفريق كلية طب الأسنان جامعة القاهرة من مصر عن ماكبث شكسبير، من إعداد وإخراج محمود ابراهيم الحسيني. وتدور أحداث العرض من خلال معالجة عصرية لماكبث شكسبير، في إطار إبداعي تسيطر عليه الحداثة، مما يثير تساؤلات فلسفية حول الطمع والقوة والتكنولوجيا. أما عروض المسار الثاني والتي تعرض على مسرح كُليَّة الدراسات المصرفية، فكان أول العروض بعنوان (ذاكرة صفراء) لفرقة نورس المسرحية من السعودية من تأليف عباس الحايك وإخراج حسن العلي، وتتناول المسرحية الاضطراب النفسي لشخص هرب من بلد آخر محملا بكم من الذكريات المؤلمة. في حين جاء العرض الثاني بعنوان «(هاجّة (بوابة 52)» لمسرح الناس من تونس من تأليف دينا مناصرية وإخراج دليلة مفتاحي، وتدور أحداث العرض حول نسوة مناضلات من زمن الاستعمار الفرنسي لتونس. رعى صاحب السُّمو السَّيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب حفل افتتاح مهرجان المسرح العربي في دورته الـ15 الذي تستضيفه سلطنة عُمان ممثلة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب، بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح والجمعية العُمانية للمسرح، ويستمر حتى الـ15 من يناير الجاري بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض.