وقفنا عند القصة العجيبة التي رواها ابن هشام: عن أبي الزبير، عن جابر:(حتى قال: فلما جئنا صرارًا أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجزور فنحرت، وأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل ودخلنا، قال: فحدثت المرأة الحديث، وما قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: فدونك، فسمع وطاعة، قال: فلما أصبحت أخذت برأس الجمل، فأقبلت به حتى أنخته على باب مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ثم جلست في المسجد قريبًا منه، قال: وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرأى الجمل، فقال: ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله، هذا جمل جاء به جابر، قال: فأين جابر؟ قال: فدعيت له، قال: فقال: يا بن أخي خذ برأس جملك، فهو لك، ودعا بلالًا، فقال له: اذهب بجابر، فأعطه أوقية، قال: فذهبت معه، فأعطاني أوقية، وزادني شيئًا يسيرًا، قال: فو الله ما زال ينمى عندي، ويرى مكانه من بيتنا).
ومن العجيب أيضًا في هذه الغزوة هو ما كان من أمر ابن ياسر وابن بشر، وقيامهما على حراسة جيش الرسول، وما أصيبا به، قال ابن إسحاق:(عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة ذات الرقاع من نخل، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فلما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قافلًا، أتى زوجها وكان غائبًا، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ دمًا، فخرج يتبع أثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منزلًا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ قال: فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل آخر من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشعب، قال: وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر، فيما قال ابن هشام. قال ابن إسحاق: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل تحب أن أكفيكه: أوله أم آخره؟ قال: بل اكفني أوله، قال: فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، قال: وأتى الرجل، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم، ـ الربيئة: الطليعة الذي يحرس القوم ـ قال: فرمى بسهم، فوضعه فيه، قال: فنزعه ووضعه، فثبت قائمًا، قال: ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه. قال: فنزعه فوضعه، وثبت قائمًا، ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد، ثم أيقظ صاحبه فقال: اجلس فقد أثبت ـ جرحت جرحًا لا يمكن التحرك معه، قال: فوثب فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به، فهرب، قال: ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله! أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفدها، فلما تابع علي الرمي ركعت فأذنتك، وأيم الله، لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحفظه، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها، ثم قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة من غزوة الرقاع).
محمود عدلي الشريف