كلمة من أحرُف محدودة، هذا ما خصَّصه وزير الحرب السَّابق في «إسرائيل» الجنرال يوآف جالانت لتحمُّله المسؤوليَّة عن ما أسماه «الكارثة الأمنيَّة الأكبر في تاريخ «إسرائيل» وفي تقديم استقالته من عضويَّة الكنيست». وذلك في خِطاب استقالته الأسبوع الأخير المنصرم ونحن نودِّع العام الميلادي 2024 ونستقبلُ العام الميلادي الجديد.
كانتْ مواقف الجنرال يواف جالانت مؤلَّفة من (21) كلمة من أصلِ (630) كلمة فقط ألقاها في اجتماعات الكنيست «الإسرائيلي» بصرخات عالية لم تأبهْ لردودِ فعلِ رئيس الكنيست وبعض أعضائها المتحاملين عَلَيْه من حزبه الليكود.
إذًا، اختارَ الجنرال يواف جالانت أن يُنهيَ مَسيرته السِّياسيَّة بقصيدة مديح لإنجازات «إسرائيل» في «حرب الجبهات السَّبع»، مع تكرار مديح نَفْسه بحرارة وقوَّة: «قُدتُ، وضعتُ الأُسُس، أوضحتُ، حذرتُ، قررتُ، عملتُ، وأخيرًا أُقِلتُ، بسبب موقفي ضدَّ قانون الإعفاء من الخدمة العسكريَّة’.
هذا هو السَّرد الَّذي يريدُ أنْ يرسخَه الجنرال يواف جالانت بشأنِ ماضيهِ العسكري وحاضره ومستقبله السِّياسي؛ لأنَّه كما أوضح في نهاية خِطابه، من وجهة نظره، هذا مجرَّد وداع مؤقَّت، فهو سيَعُود مجددًا لحلبة السِّياسة في لعبة الكنيست كغيره من العسكر الَّذين يتوجَّهون للسِّياسة بعد فشلِهم العسكري.
وفي حقيقة الأمْرِ، ونحن نقولُ إنَّ الفشلَ المدوِّيَ والدَّامي ليوم السَّابع من اكتوبر 2023، دفع يواف جالانت إلى الهامش لِيصبحَ جنرالًا شكليًّا غير شكلي. نشكُّ في مستقبله السِّياسي في «إسرائيل»، خصوصًا بعد الهزَّات والخضَّات العنيفة الَّتي تتالتْ في دَولة الاحتلال خلال العام الفائت من عمر العدوان على القِطاع حيثُ التَّحوُّل الدّولي الكبير لصالحِ فلسطين وشعَبها، وفي مواجهة ما أسمَتْه البَشَريَّة جمعاء بـ»حرب الإبادة» ضدَّ الفلسطينيِّين في قِطاع غزَّة.
لقَدْ عملَ نتنياهو المزوَّد بروحِ الفاشيَّة والعنجهيَّة على التَّعطيل الدَّائم لِمَا يُسمَّى بـ»صفقة التَّبادل». ووضعَ نتنياهو العصيَّ بعجلاتها رغم صياح وهياج وانفعال النَّاس في «إسرائيل» من أجْلِ إنقاذ أسراهم من قبضة المقاوَمة.
نحن الآن أمام لُعبة نتنياهو. لُعبة «صفقة التَّبادل» بثوبٍ جديد، حيث الوفودُ التَّفاوضيَّة عَبْرَ القنوات غير المباشرة وحركة الوفود «سري مري» دُونَ طائلٍ سوى تضييع الوقت.
وقد كشفَ عددٌ من القادة الفلسطينيِّين لُعبة نتنياهو ما بَيْنَ القاهرة والدوحة، ومعهم نائب الأمين العامِّ لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور محمد الهندي. فالدكتور متفائل بحدود معيَّنة بالنِّسبة لإتمام صفقة التَّبادل، وأكَّدَ وجود مفاوضات مكثَّفة خلال الأسبوعَيْنِ الأخيرَيْنِ.
لكنَّه في الوقت متشائم، مع وجود الاحتلال الَّذي يعمد جيش الاحتلال إلى تنفيذ تصعيد ميداني كبير باستهدافِ المَدَنيِّين والمشافي مع تهديدات وزير الحرب وأعضاء كنيست (من العرب) ووزراء يتمتَّعون بالمرونة بهدف الضَّغط لانتزاع مواقف على طاولة التَّفاوض. فيما تصرُّ قوى المقاوَمة على وقف إطلاق النَّار أوَّلًا. ووقف إطلاق النار فَوْرًا عن شمال القِطاع من مُخيَّم جباليا البلد والبلد، وبيت حانون. وترك المجال أمام دخول الهيئات الإنسانيَّة، خصوصًا وكالة أونروا؛ باعتبارها تتحمَّل المسؤوليَّة الأساسيَّة عن الشَّعب الفلسطيني في القِطاع والدَّاخل وفقَ قرار قيامها 302 عام 1949.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك