الأربعاء 05 فبراير 2025 م - 6 شعبان 1446 هـ
أخبار عاجلة

«تعيش الضمائر الحية»!!

«تعيش الضمائر الحية»!!
الأربعاء - 08 يناير 2025 03:34 م

عادل سعد

30


أن يشقَّ مواطنٌ عراقي طريقَه وسط زحام شارع المُتنبِّي، سُوق المكتبات في بغداد وهو يحمل لافتةً صغيرة بشعار (تعيش الضَّمائر الحيَّة) وسط زحام الكتُب والقرطاسيَّة والأكلات الشَّعبيَّة والزوَّار فإنَّ للمشهدِ حضورَه غير المتوقَّع إن لم أقُلْ غير المناسب مع الحالة السَّائدة.

لقَدْ جرَى ذلك في الجمعة الأولى من شهر يناير (كانون الثَّاني) الجاري للعام الجديد 2025.

توقَّف الرَّجُل عِندَ نصبِ الشَّاعرة العراقيَّة نازك الملائكة في منطقة (القشلة) الَّتي كانتْ في يومٍ من الأيَّام مقرًّا حكوميًّا عامرًا بالحركة في خمسينيَّات القرن الماضي.

اقتربتُ مِنْه وسألتُه بالمباشر: ماذا تقصد بهذا الشِّعار؟ فقال بِدُونِ تردُّد: (تفاءلوا بالأمل تجدوه) توصيفًا آخر للمَثل الشَّائع المعروف (تفاءلوا بالخير تجدوه).

•لا أكتمكم، أنَّ هذه الجزئيَّة كانتْ طارئة على شارع المُتنبِّي التُّراثي، بل تُعَدُّ حدثًا فريدًا؛ لأنَّ أغْلَبَ اللافتات مطالب خدمات، أو تبصير بأخطاء لذلك هزَّني المشهد تحت طائلة سببَيْنِ اثنين، أجدُهما وجيهَيْنِ، الأوَّل، أنَّني لم أتوقَّعه رغم كثرة المفاجآت في هذا الشَّارع، الثَّاني، لأنَّ الشِّعار بحدِّ ذاته لا ينسجم مع هوامش يزخر بها المتنبِّي، ليس أقلّها التَّهديدات الإرهابيَّة، النَّزعات الطَّائفيَّة، هوامش غزَّة ولبنان، شحَّة المياه والزَّحف الصَّحراوي، كارثة جفاف الأهوار، مضارب الدولار، الاستخدام المُفرِط للقوَّة العبثيَّة، الحرب بَيْنَ روسيا وأوكرانيا، التَّرصُّد بَيْنَ واشنطن وبكين.

•يبدو أنَّ الرَّجُل وهو يحمل شعاره أرادَ أن يستقبلَ العام الجديد بجزئيَّة مشفوعة بترفُّعٍ على الشَّكاوى الَّتي ازدحمَ بها العام الماضي 2024.

•عمومًا الطَّبيعة البَشَريَّة مجبولة على النَّقد وليس على التَّبصير بالمواقف الصَّحيحة، فهناك العديد من الأخبار المُضيئة بدلالاتها الإيجابيَّة دُونَ أن يكترثَ بها أحَد وتذهبَ هدرًا إذا صحَّ التَّعبير، مقابل تهويلات زائفة مرسومة لتنفيذِ مهِمَّة قصدها الالتفافي، أنَّ كُلَّ شيء ذاهبٌ إلى الخسارة، لا فرصة لتداركِ الأمور، تحت وهْمِ أنَّ الخطرَ على الأبواب ولا مجالَ إلَّا استنفار حالك في ترتيب أوضاعك الخاصَّة على أساس هذا القدر المقبل.

•هناك الآن على منصَّات مطلع العام الجديد 2025 تقارير إخباريَّة ومقالات يرادُ بها تكريس حالة الإحباط والاستسلام للأقدار بروحٍ انهزاميَّة تقْبَل بأقلِّ الخسائر، إن لم تكُنْ بالخسائر الكبيرة. والمَثل الأقرب جعلَ الرَّأي العامَّ العالَمي تحت طائلة حبس الأنفاس بانتظار ما سيفعله الرَّئيس ترامب عِندَما يدخل البَيْتَ الأبيض في العشرين من الشَّهر الجاري، وكأنَّه يملكُ عصًا سحريَّة يهشُّ بها على البَشَريَّة وفق ما يريد دُونَ أيِّ اعتبارٍ لإرادة الآخرين.

•عيِّنة أُخرى عن التَّضخُّم الَّذي سيطربُ الاقتصادات العالَميَّة ويحيلُ بعضها إلى دائرة الإفلاس والجوع.

•عيِّنة ثالثة عن وحشِ المتغيِّرات المُناخيَّة وما سيُرافقها من احتباس حراري وجفاف وفيضانات لا تستطيع البَشَريَّة مواجهتها بحلولٍ إنقاذيَّة.

•إنَّ فرضيَّة سوق القطيع بدالة التَّطويع المتعمَّد هي الآن واحدة من المُهمَّات الَّتي تتصدَّر المشهد على بعض الأصعدة الوطنيَّة، وعلى الصَّعيد الدّولي العامِّ، وإذا كان المواطن العراقي صاحب اللافتة قد أشادَ بالضَّمائر الحيَّة متَّخذًا من سُوق المتنبي المكتبي البغدادي مجالًا حيويًا له، تظل مسؤوليَّة النخب الثَّقافيَّة والإعلاميَّة والسِّياسيَّة تعزيز معنويَّات الرَّأي العامِّ لصالحِ الأمل والرَّجاء ورباطة الجأش في مهمَّات نبيلة ينبغي أن تنتظرَ البَشَريَّة خلال عام 2025 بل والمستقبل أيضًا.

أنا لا أقولُ إنَّ كُلَّ شيء سيكُونُ سهلًا، لكنَّ البركةَ والثِّقة بالضَّمائر الحيَّة صاحبة المهارات لن تكُونَ قليلةً في كُلِّ الأحوال.

•إنَّ ثقافةَ اليأس والقنوط والتَّنكيل بالعزم، والاستعداد للبكاء على الأطلال والإدارة بافتراض الأزمة لا تصلح لتصريفِ الأمور، ومِثلَما في الاقتصاد، تتصدَّر جزئيَّة الائتمان الفرص، كذلك ينبغي أن تتصدرَ الفرص الثِّقة بالنَّجاح.

يقولُ المَثل (الخوف قَبل التَّجربة عجز) كما أفتَى حفيدي الحقوقي عبَّاس التَّميمي.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]